لن يتذكّروا الأسس البسيطة التي أعطاهم أصدقاؤهم إياها، من قبيل: إذا دخلت في النار، حرقتك، وإذا جرحت إصبعك بالسكّين جرحًا عميقًا، نزفَتْ، أمّا هي فلم تنسَ ذلك أبدًا، إذا شربت زجاجة مكتوبًا عليها «سُمّ»، ستؤذيك حتمًا، عاجلًا أو آجلًا.
يظنّ كثير من الناس أن المال مغطًّى بالذهب، المكنوز في خزائن كبيرة تحميها جدران سميكة. لكن هذا بطُل منذ عقود كثيرة. لست أذكُر على اليقين ماذا كنت أعتقد، لأنني كنت في مصيبة أكبر، إذ لم أكن أفهم الذهب ولا المال الورقي ولا الحاجة إلى الغطاء أصلًا.
جزءٌ من تعلّم البيتكوين، تعلُّمُ الأموال الحكومية، ومعناها، وكيف أتت، ولمَ قد تكون فكرةً ليست من أفضل فكرنا. إذن، ما هو المال الحكومي بالضبط؟ وكيف انتهى بنا الأمر إلى استعماله؟
إذ فُرض شيءٌ ما بمرسوم حكومي، فمعناه أنه مفروض بسُلطة أو أمر رسمي. لذا، فالمال الحكومي مالٌ لأن أحدًا قال إنه مال. ولأن كل الحكومات تستعمل المال الحكومي اليوم، فهذا الأحد هو حكومتك. ومن سوء حظّك أنّك لست حرًّا لتخالف هذا الأمر. ستدرك سريعًا أن هذه المسألة أبعدُ ما تكون عن اللاعنف. إذا رفضت استعمال هذه العملة الورقية للعمل والضرائب، فلن تناقش الاقتصاد مع أحد سوى زملائك المساجين.
إن قيمة المال الحكومي ليست آتية من خصائصه الجوهرية. وإن جودة المال الحكومي منوطةٌ بالاستقرار السياسي والمالي للحكومة التي تُسقط هذا الحلم المالي على الواقع. أما قيمته فهي مفروضة بالأمر أيضًا، تعسفياً.
إلى وقت قريب، لم يكن في الوجود إلا نوعان من المال مستعملان: المال السلعي وهو مال من أشياء ثمينة، والمال الممثّل، وهو الذي يمثّل الشيء الثمين، بالكتابة غالبًا.
لقد ألمحنا إلى المال السلعي أعلاه. استعمل الناس عظامًا معينة، وأصدافًا، ومعادن ثمينة، وجعلوها مالًا. ثم، استعملت نقود مصكوكة من المعادن الثمينة كالذهب والفضة مالًا. أقدم عملة موجودة إلى اليوم هي من مزيج طبيعي من الذهب والفضة، صُنعت قبل أكثر من 2700. إذا كان في البيتكوين أمرٌ جديد، فليس هو مفهوم العملة.
لقد تبيّن أن اكتناز العملات، أو إمساكها بعبارة اليوم، عمره من عمر العملات نفسها. أقدم ممسك عملات هو رجل وضع مئة عملة تقريبًا في جرّة ودفنها تحت أصول معبد، ولم توجد إلا بعده بألفين وخمسمئة عام. مخزن بارد جيد جدًّا إذا أردت رأيي.
من مساوئ استعمال عملات المعادن الثمينة إمكانية قطعها، وبخس قيمتها. يمكن صك عملات جديدة من الأجزاء المقطوعة، وهو ما يضخّم معروض المال مع الوقت، ويبخس كل عملة مفردة بذلك. كان الناس حرفيًّا يكشطون ما استطاعوا من دولاراتهم الفضية دون أن يلاحظ أحد. ويحيّرني، ما نادي كشط الدولارات هذا الذي كان عندهم آنذاك.
ولأن الحكومة لا تحب التضخم إلا إذا كانت هي القائمة عليه، أقامت جهودًا لإيقاف بخس العصابات هذا. كما اعتيد على أمر الشرطة والحراميّة، كان قطَعة العملات أكثر إبداعًا في تقنياتهم، فأجبروا سادة المصكّ على أن يزيدوا إبداعهم في الإجراءات المضادة. كان إسحاق نيوتن، الفيزيائي المعروف لكتابه مبادئ الرياضيات، كان واحدًا من هؤلاء السادة. ويُنسَب إليه أنه أضاف الخطوط الصغيرة على جوانب العملات، التي لم تزل إلى يومنا هذا. اضمحلّ بعد ذلك كشط العملات السهل.
حتى مع مراقبة طرق بخس العملة هذه، لم يزل للعملات المعدنية مشكلات أخرى. إنها كبيرة، وصعبة النقل، لا سيما عند نقل مقادير كبيرة من القيمة. الذهاب بكيس ضخم من الدولارات الفضية كل مرة تريد شراء مارسيدس ليس أمرًا عمليًّا.
وبمناسبة الكلام عن الأشياء الألمانية: إن تسمية دولار الولايات المتحدة قصة مشوّقة أخرى. كلمة «دولار»، مشتقة من الكلمة الألمانية تالر وهي اختصار لكلمة يواخيمستالر. والجوكيمثالر هي العملة المصكوكة في مدينة القديس يواخيمستال. التالر ببساطة اختصار لاسم الشيء الذي يأتي من هذه القرية، لأن يواخيمستال كانت قرية صكّ العملات الفضية، سمّى الناس العملات الفضّية التالر. تحوّل التالر الألماني إلى دالدر بالهولندية، ثم أصبح الدولار بالإنكليزية.
أرهص دخول المال التمثيلي بسقوط المال الصعب. بدأ أمر شهادات الذهب عام 1863، وبعد خمسين عامًا، تحوّل الدولار الفضّي أيضًا إلى وسيط ورقي: شهادة الفضّة.
واستغرق الأمر خمسين عامًا بعد أول شهادة فضية، لتصبح هذه الأوراق ما نعرفه اليوم باسم الدولار الأمريكي.
لاحظ أن الدولار الفضي الأمريكي أعلاه، حافظ على اسم شهادة فضة أي أنه محض شهادة تحكم أن حاملها مستحق لقطعة من الفضة. من المهم أن نلاحظ أن النص الدالّ على هذا صغُر حجمه مع الوقت. أما كلمة «شهادة» فاختفت تمامًا بعد فترة، وحلّ مكانها عبارة مطمئنة تقول إن هذه الأوراق من الاحتياطي الفدرالي.
كما ذكرنا أعلاه، حدث الأمر نفسه للذهب. كان معظم العالم على نظام المعدنين، أي أن العملات كانت معظمها من الذهب والفضة. وكان يُعدّ أمر شهادات الذهب تطوّرًا تقنيًّا. الورق أسهل، وأخفّ، ويمكن تقسيمها حسب الرغبة بطباعة رقم أصغر عليها، لذا يمكن تفسيمها إلى أجزاء صغيرة.
لتذكير الحاملين أن هذه الشهادات كانت تمثل الذهب والفضّة، كانت تلوّن الشهادات بألوانهما ويُذكر الأمر واضحًا في الشهادة نفسها. يمكنك أن تقرأ بسهولة من الأعلى إلى الأسفل:
«تشهد هذه الورقة أن في خزينة الولايات المتحدة الأمريكية مئة دولار من الذهب تُدفع لصاحبها عند الطلب».
في عام 1963، أُزيلت كلمات «يُدفع لحامله عند الطلب» من كل الأوراق حديثة الصدور. بعد خمس سنوات، انتهى أمر استحقاق الورق للذهب والفضة.
أُزيلت الكلمات التي تشير إلى أصول فكرة المال الورقي. اختفى اللون الذهبي. لم يبق إلا الورق، وبقي معه قدرة الحكومة على طباعة ما شاءت وكم شاءت.
مع إلغاء نظام الذهب عام 1971، اكتملت هذه الحيل التي دامت قرنًا. أصبح المال الوهم الذي نتشاركه جميعًا اليوم: المال الحكومي. وهذا المال له قيمة ببساطة لأن الذي يقوم على الجيش والسجون يقول إن له قيمة. كما نقرأ على كل ورقة دولار اليوم: «هذه الورقة عملة قانونية». بعبارة أخرى: لها قيمة لأن الورقة تقول هذا.
بالمناسبة، هذا درس مهم عن صكوك المصارف اليوم، مخفي في العلَن الظاهر. والسطر الثاني يقول إنها عملة قانونية «لكل الديون، العامة والخاصة». ما كان واضحًا لأهل الاقتصاد، كان مفاجئًا لي: كل المال دين. لم يزل رأسي يؤلمني لإدراك ذلك، وسأترك استكشاف العلاقة بين المال والدين تمرينًا للقارئ.
كما رأينا، استُعملت نقود الذهب والفضّة ألفيّات كثيرة. مع الوقت، حلّ المال الورَقي محل عملات الذهب والفضة. وببطء أصبح الورق مقبولًا للدفع. هذا القبول أنشأ وهمًا، أن الورق له قيمة في نفسه. كانت الحركة الأخيرة قطع الرابط تمامًا بين الممثِّل والممثَّل: إنهاء نظام الذهب وإقناع الجميع أن الورق في نفسه قيّم.
علّمني البيتكوين عن تاريخ المال وأعظم خدعة في تاريخ الاقتصاد: المال الحكومي.