من المؤكد أنك قد سمعت من بعض المشككين أن “البيتكوين يشكل خطرًا على البيئة لأنه يستخدم الكثير من الطاقة”. هل هذا صحيح؟ كم يبلغ استهلاك البيتكوين من الطاقة حقا؟ وكيف يتم ذلك ولماذا يستخدم البيتكوين تلك الكميات الكبيرة الطاقة؟ هل يستحقها صرف الطاقة أم أن فوائده لا تبرر ذلك؟
بدأت رحلتي بداخل جحر البيتكوين عندما كنت أدرس الهندسة في عام 2014. كانت الدوامة عميقة للغاية لدرجة أنني حتى يومنا هذا لا أشعر بأنني مؤهل بما يكفي لأطلق على نفسي لقب “الخبير”. لكن يمكنني التحدث بسلطة عندما أقول أن النقاش حول الطاقة هو أحد أكثر الموضوعات المثيرة للجدل في هذا المجال. بعد اللقاء والتحدث مع العديد من عشاق البيتكوين من جميع أنحاء العالم، لاحظت أن معظم المتبنيّن الأوائل لعملة البيتكوين هم “مخالفين للآراء “. إن سمة “عدم التوافقية” ليست سمة سيكولوجية سيئة بالضرورة ولكن يمكن من ذلك أن يجعل الأمر صعبًا بعض الشيء على الأفراد العاديين في المجتمع إجراء محادثات “محترمة ومهذبة” مع عشاق البيتكوين حول العالم الذي قضوا سنوات كثيرة من البحث والتحليل ومحاربة المغالطات المنتشرة والمحتالين في سوق الكريبتو. بالطبع ، هذه تجربة شخصية، لذا أرجوا عدم أخذها بجدية كبيرة.
ولكن الحق يقال، لم أرى “مجتمعًا” آخر يقدر سماع الآراء والتشكيكات والانتقادات البناءة المعقود بحسن نيّة كما هو الأمر في البيتكوين. الآراء حتى وإن خالفناها فهي تبقينا كأفراد على المسار الصحيح لبناء مستقبل مستدام للبشرية، التشكيك يجعلنا نتساءل عن دوافعنا وسلوكياتنا، والانتقادات تساعدنا على تعديل مفاهيمنا المسبقة عن العالم.
يبدأ النقاش عادةً هكذا: “نشرت مجموعة من الباحثين في جامعة كامبريدج دراسة تظهر كمية الطاقة الكهربائية المستهلكة سنويًا في البيتكوين. وفقًا لتقديراتهم ، تستهلك الشبكة حاليًا ما لا يقل عن 66 تيراواط ساعة من الكهرباء كل عام. يتجاوز هذا المقدار من الطاقة الكهربائية استهلاك الكهرباء للعديد من دول العالم الأول مثل نيوزيلندا والدنمارك والإمارات العربية المتحدة، مما يثير مخاوف العديد من دعاة حماية البيئة ويعرض البيتكوين للكثير من الانتقادات فيما يتعلق بمستقبل خوارزميات تعدين البيتكوين.
بصفتي مجرد فرد عادي، من أنا لأحدد ما هو الادعاء العلمي السليم وماهو الادعاء الغير علمي؟ لم أقم شخصيًا بنشر أي بحث في مجلة علمية من قبل، ولا أحمل شهادة دكتوراه أو حتى درجة الماجستير، وكما ذكرت سابقًا لن أدعي بأني “خبير البيتكوين”. مع ذلك، لا أعتقد أن أي شخص سيخالفني الرأي (من حيث المبدأ) على أن الجميع يمكن أن يكون عالِمًا طالما لديهم ما يكفي من الفضول الفكري، ويتبعون ويفهمون المنهجية العلمية والاستدلال المنطقي، وآرائهم مفتوحة للتدقيق العام. بالنظر إلى الجدل حول موضوع الطاقة، يبدو لي أن معظم الأبحاث التي تدعم هذه الانتقادات هي اختزالية في أفضل الأحوال، ومحفزة أيديولوجيًا وسياسيًا في أسوأها.
العلم هو منهج تطبيقي يتأرجح بين الاستقراء والاستنتاج – نقوم بملاحظة الظواهر والأنماط ثم نقترح لها تفسيرات، ثم نختبر هذه التفسيرات لنرى مدى جودة تنبؤها لشيء ما في المستقبل. وبالتالي فإننا نولد نماذج للعالم، عندما نطبق المنهجية العلمية بشكل صحيح فإننا نحقق ثلاثة أشياء: نستطيع أن –نتوقع– بشكل أدق من التفسيرات والنماذج التي كانت تستخدم سابقاً، و –نفترض– معطيات أقل مما كنا نفترضه سابقًا، لتتناسب بذلك النماذج مع بعضها البعض وتشكل نسيجًا متناسقاً بالكامل [وصورة أكمل وأوضح للكون] بريت واينستاين، هيذر هاينغ
من جائحة كوفيد التي هزت العالم إلى الاحتباس الحراري وصولًا إلى البيتكوين، يحاول بعض العلماء الاختزاليين تبسيط الأنظمة المعقدة لعالمنا إلى نماذج رياضية بمتغيرات قليلة. تشتمل هذه النماذج على افتراضات، مع تطور أدواتنا وفهمنا لهذه الأنظمة، يتم لاحقًا إثبات عدم دقة هذه الافتراضات ولكن متى؟ بعد وقوع الضرر الاجتماعي الذي تتسبب فيه قرارات السياسيين الذين يأخذون هذه النماذج على محمل الجد. هذا هو النمط الذي أتابع أنا والعديد من العلماء المستقلين الآخرين مراقبته مرارًا وتكرارًا في الأوساط الأكاديمية.
من الحماقة القول أن النماذج الرياضية غير مفيدة، ولكن أخذ هذه النماذج بالقيمة الاسمية وإهمال المنهجية العلمية الكلاسيكية (إجراء الملاحظات ، وإنشاء الفرضيات، اختبار الفرضيات، ومقارنة التنبؤات بالنتائج التجريبية) سيقودنا دائمًا إلى استنتاجات مضللة. إن الدعم التجريبي للدراسات العلمية مهم جدًا لأنه يضمن موثوقية الافتراضات المضمنة في هذه النماذج الرياضية ويثبت دقتها إلى درجة مقبولة.
بعد وقت قصير من نشر هذه الأوراق العلمية، تبدأ وسائل الإعلام في تضخيم استنتاجاتها بشكل هستيري. شخصياً، لا أستطيع التكهن بالنوايا أو الدوافع وراء هذه الهستيريا، ولكن الكثيرون في هذا المجال يرون أنها فقط استراتيجية جديدة من قبل النخب السياسية والبيروقراطيين لتقويض نوع جديد من المال خارج بالكامل عن سيطرتهم.
منتدى الاقتصاد العالمي في عام 2017 يكتب:
“في 2020، سيستهلك البيتكوين طاقة كهربائية أكبر من استهلاك العالم كله اليوم”
لنأخذ Digiconomist على سبيل المثال ، مدونة بحثية تتعقب استهلاك الكهرباء من البيتكوين. أحدى أقدم المصادر وأكثرها اقتباسًا في نقاش البيتكوين حول البيئة والطاقة. تشكل نقطة البيانات الفردية هذه الأساس لكمية كبيرة، إن لم تكن الغالبية العظمى، من تقارير وسائل الإعلام عن البيتكوين وتأثيرها البيئي. المحزن في الأمر هو عدم معرفتهم بحقيقة أن هذه المدونة قد انشأها موظف سابق للبنك المركزي الهولندي. هذا يسمى “تضارب في المصالح” Conflict of Interest الأوساط الأكادمية. ولكن دعنا من ذلك، لنلقي نظرة على نموذجهم الرياضي الذي يقدر صرف البيتكوين للطاقة. بحسب النموذج فإن البيتكوين يستهلك مايقارب 100 تيرا واط ساعي سنويًا.
إذا أمعنا النظر في نموذجهم ونظرنا إلى البيانات التجريبية التي حدثت بالفعل على أرض الواقع فيمكننا بسهولة دحض نتائجهم، لأن النموذج يؤكد بثقة أنه خلال الفترة التي حظرت فيها الصين بأكملها تعدين البيتكوين في عام 2021، كان لدى البيتكوين استهلاك مستقر وثابت للكهرباء. على الرغم من أنه بالطبع، قد انخفض معدل الهاش في الشبكة (المقياس الذي نقيس به قوة التعدين) بأكثر من 50٪…
ما ألاحظه شخصيًا أن العديد من هؤلاء النقاد يفشلون في معالجة سبب وجود البيتكوين في المقام الأول ومدى أهمية بناء ميثاق نقدي ونظام دفع عالمي لامركزي ومقاوم للحظر والإيقاف في هذا اليوم وهذا العصر. غالبًا ما يُساء فهم عملية تعدين البيتكوين على أنها تقتصر فقط على “إنشاء عملات بيتكوين جديدة” لأن كلمة “التعدين” مرتبطة بعملية استخراج السلع النادرة مثل الذهب أو الفحم.
في عام 2021 ، قدمت الرابطة الدولية لاقتصاديات الطاقة (IAEE) دراسة تزعم أن البيتكوين أكثر ضررًا بالبيئة من الذهب من خلال إجراء تقييم لدورة الحياة يقارن الأثر البيئي لكل من تعدين البيتكوين وتعدين الذهب فيما يتعلق بالفائدة التي يوفرها الأصلان. تجاهل عزيز القارئ استخدام نموذج Digiconomist الذي دحضناه سابقًا كمصدر لحساب الطاقة المطلوبة لتعدين بيتكوين واحد، الملاحظة الأولى هو قياسهم لمدى الفائدة الاضافية للأصلين عن طريق مقارنة القيمة السوقية لكل منهما. هذه مغالطة اقتصادية كبيرة لأنهم بذلك يفترضون بأن السعر يساوي القيمة. في الحقيقية، السعر يمثل متوسط اجمالي آخر صفقات بيع وشراء تمت بالفعل خلال فترة زمنية معينة، إذا فهو مقياس موضوعي Objective. أما قيمة الأصل فهي أمر شخصي Subjective تختلف عند كل انسان وآخر. ماهو غير قيّم بالنسبة لك، قد يكون قيّمًا جدا بالنسبة لغيرك. الملاحظة الثانية، هل من العدل مقارنة التكلفة البيئية لإنتاج هذان الأصلان وإهمال تكاليف تخزينهم وتسويتهم ونقلهم ذهابًا وإيابًا ملايين من مرات عبر الحدود إذا أردنا استخدامهم في التحويلات النقدية أو التجارة المحلية والدولية؟
لفهم سبب حاجة البيتكوين للطاقة وفهم ماهية خوارزمية إثبات العمل، علينا أن نعرف ماهو البيتكوين على أرض الواقع ومن غير اللجوء إلى التشبيهات الشهيرة مثل “الذهب الرقمي”.
لاتوجد قطع نقدية سحرية بداخل شبكة البيتكوين. هنالك فقط سجل تحويلات وأرصدة مستخدمين. السجل هو العملة. مايميز هذا السجل عن غيره هو قواعد إضافة الاسطر الجديدة وصعوبة إنشاء الوحدات النقدية وتغيير التسلسل الزمني للأسطر والتلاعب بها.
إذًا فالوحدات النقدية ليس من الضرورة أن تكون ملموسة مثل الذهب لأنك لو جعلتها ملموسة فسيصعب إبرام الصفقات التجارية من غير لقاء البائع والمشتري بنفس المكان ونفس الزمان.
معظم سبائك الذهب التي يتم تداولها بين الأفراد والبنوك تأخذ صيغة ورقية أو رقمية مسجلة على سجلات تحتوي على حصة كل فرد من الذهب. ويتم تخزين الذهب الملموس وإضافة أسطر جديدة لنقل ملكية وحدات الذهب النقدية بداخل السجل من قبل أطراف ثالثة دون الحاجة إلى تحريك الذهب فيزيائيًا لأن تكلفة فعل ذلك عالية جدًا.
المشكلة في هذا النوع من الميثاقات النقدية هو أن الأفراد مضطرون بأن يثقوا بأطراف ثالثة مسؤولة عن إضافة الأسطر والمحافظة على موثوقية السجل، ولايمكن للأفراد التحقق من صحة أرصدهم والكمية الكاملة من معروض الوحدات داخل بشكل مستقل وسيادي وهم أيضًا معرضون دائمًا لخطر الحظر والإيقاف ومصادرة أو تجميد حصصهم من الوحدات النقدية.
البيتكوين يحل هذا الأمر عن طريق التخلص من فيزيائية السلع النقدية ورقمنة السجل بالكامل وتوزيع نسخه على جميع الأفراد والاعتماد على خوارزمية إثبات العمل للتوصل رياضيًا لإتفاق على نسخة واحدة صحيحة من السجل يتفق عليها الجميع ويمكن لكل مستخدم على حدى التحقق من موثوقيتها بسهولة بشكل مستقل غير مكلف ودون الاعتماد على ثقة أي جهة أخرى.
إذًا فإن فائدة التعدين عن طريق إثبات العمل Proof-of-Work تتجاوز إنشاء أصل رقمي، إن الهدف الرئيسي للتعدين بالأساس هو نقل النقود عالميًا بدون الاعتماد على ثقة أطرف ثالثة مثل شركات أو بنوك مع تسوية نهائية للتحويلات وتجنب الحظر والإيقاف ومصادرة الأرصدة وتجميدها من قبل الأطراف الثالثة.
يتنافس الأفراد الذين نسميهم “المعدنين” على إضافة الأسطر الجديدة إلى السجل عن طريق الالتزام بتقديم كميات كبيرة من الطاقة الحسابية لأجل إدراج تحويلات المستخدمين بطريقة متناسقة ومرتبة زمنيًا إلى سجل البيتكوين النقدي وتعمل كل من الوحدات النقدية الصادرة حديثًا ورسوم التحويلات كحوافز للمتنافسين. يطلق على هذا السجل النقدي اسم “البلوكتشين” أو كما يسميها ساتوشي، “السلسلة الزمنية” ويحمل اليوم بداخله قيمة تعادل مئات المليارات من الدولارات المُرمّزة بوحدات البيتكوين. ما يميز بلوكتشين البيتكوين عن المشاريع الأخرى لتقنيات البلوكتشين الشائعة في سوق العملات المشفرة هو على وجه التحديد إنفاقها الهائل للطاقة الكهربائية، حيث أن أي تعديل على سلسلة الأحداث المكتوبة في سجل التحويلات يتطلب إعادة إنفاق نفس مقدار الطاقة المستخدمة لإضافة التحويلات في المقام الأول، أي أنه كلما زادت الطاقة التي تُصرف لتسجيل التحويلات الجديدة، كلما ارتفعت تكلفة التلاعب بالسجل النقدي.
إذا فلإجل المشاركة في كتابة السطور الجديدة عليك أن تبذل جهدًا حسابيًا فيزيائيا لايمكنك تزييفه، أما في خوارزميات العملات الرقمية الأخرى مثل إثبات الحصة في الإيثيريوم، فالمسؤول عن عملية إضافة الأسطر الجديدة إلى السجل هي إحصائيًا فئة المستخدمين الذين يمتلكون أكبر قدر من الوحدات النقدية بداخل السجل وهم في العادة نفس الأفراد الذين طوروا المشروع وأطلقوا المشروع باكتتابات أولية حصلوا فيها هم والمستثمرين الأوائل على نسبة كبيرة من المعرض النقدي للعملة (على سبيل المثال 70% من المعروض بالنسبة للايثيريوم). فكيف لهذه الشبكات أن تكون محايدة في تسوية تحويلات الأسواق العالمية؟
أما شبكة البيتكوين فهي شبكة مسطحة غير هرمية تم تطويرها وإطلاقها بشكل عفوي بالكامل من غير اكتتاب أولي. حتى ساتوشي بنفسهم قاموا بتكريس طاقة حاسوبية لإنتاج البيتكوين، وهذا مايجعلها الشبكة الأكثر عدالة وحيادية والمعيار النقدي الأكثر نقاوة والأقل عرضة للتحكم المركزي والفساد.
تقوم الشبكة على قواعد بيانات موزعة عالميًا تحتوي على نسخ من السجل النقدي يتم تأمينها من قبل مئات الآلاف من المعدنين والمستخدمين أو أي شخص يريد المشاركة، كل منهم يسعى لتحقيق مصلحته الشخصية، أي أن علاقتهم ببعضهم تعتبر علاقة تنافسية أو حتى عدائية في السوق وليست تعاونية. ولكي تتماشى الحوافز و يتفق جميع المتنافسين وبشكل مستقل على نفس النسخة من سجل التحويلات، يقوم هؤلاء الأفراد بالاعتماد على النسخة ذات أكبر قدر من الطاقة الحسابية المنفقة من أجل كتابتها (أطول سلسلة). بهذه الطريقة فإن الأفراد لايحتاجون إلى الوثوق ببعضهم في اختيار النسخة الصحيحة ويستطيعون التأكد من مصداقية المعلومات الجديدة التي يستقبلونها عن طريق التحقق الرياضي عوضًا عن اللجوء إلى الإيمان أو الثقة.
إذا كنت تريد معرفة كيفية عمل خوارزمية اثبات العمل رياضيًا يمكنك مشاهدة هذا الفيديو من دور احتراف البيتكوين للمبتدئين على قناة بيتكوين 21
يطلق على قواعد شبكة البيتكوين التقنية والنقدية اسم “ميثاق ناكاموتو النقدي”. وكمنتج ثانوي لعملية التعدين، تكافئ الشبكة بأكملها المعدنين الفائزين برسوم التحويلات، وكذلك بعملات بيتكوين جديدة يتم إنشاؤها من العدم وإضافتها إلى إجمالي المعروض النقدي مما ينتج عن ذلك سياسة نقديةً تفرض جدولًا زمنيًا محددًا لإصدار وحدات البيتكوين. إن صعوبة وتكلفة إنتاج أي نوع من أنواع الوحدات أو السلع النقدية تحدد قدرتها على الحفاظ على القيمة بمرور الوقت. لذى فيتم ضبط وتيرة الإصدار من خلال خوارزمية تحدد صعوبة التعدين لضمان ثلاثة أشياء؛ معدل إصدار ثابت كل عشر دقائق في المتوسط، وتسوية نهائية لآلاف المعاملات، وحد أقصى للمعروض الكلي للوحدات النقدية يبلغ 21 مليون وحدة أو “عملة” بيتكوين (غير قابلة للزيادة) من المتوقع أن يتم تعدينها بالكامل في العام 2140. وبما أن هدف التعدين هو إضافة التحويلات الجديدة، فالتعدين لن بنتهي في عام 2140 وسيتمر إلى الأبد ولكن المعدنين سيعتمدون بالكامل على رسوم التحويلات فقط. هذه هي المعايير الإجماعية للبيتكوين: النظام المصرفي اللامركزي لتخزين ونقل القيمة عبر الزمان والمكان وبمختلف القياسات.
إن الطبيعة الحيادية المفتوحة للبيتكوين تجعلها شاملة لجميع الأفراد المتواجدين على أطراف النظام المالي الحالي، وتمكّن الملايين من الفئات المهمشة حول العالم الذين لا يمتلكون أدنى الأدوات المالية وتزودهم بحسابات ادخاريا على هواتفهم الشخصية وتعطيهم القدرة على التواصل مع الشعوب الأخرى وممارسة التجارة المحلية والدولية بسهولة واستقلالية وتحررهم من النظام النقدي الاقصائي والتضخمي الذي نعاني منه اليوم، والذي أدى بدوره إلى تفاوت كبير في الفرص والدخل من خلال “تأثير كانتيلون” حيث يكون المتلقي الأول للعملة الورقية المطبوعة حديثًا في وضع مناسب من حيث القدرة على استلام قروض ربوية بإسعار فائدة منخفضة وإنفاق أموال إضافية (ائتمان) قبل زيادة أسعار السلع والمنتجات والخدمات في المجتمع، وعندما تنتقل هذه الأموال من المركز إلى أطراف الاقتصاد، فإنها تفقد قوتها الشرائية لمن هو موجود في الصف الأخير.
إن المزيج بين هاتين الخاصيتين؛ الشبكة المصرفية العالمية عالية السرعة والأمان، والسياسة النقدية التي تنظم إصدار الأصل الرقمي وتضمن ندرته (صعوبة إنشاءه)، يخلق مالًا رقميًا قادرًا على الانتقال عبر الحدود أسرع من النقود الورقية والائتمانية وقادر على الاحتفاظ بقوته الشرائية عبر الزمان ومقاومة التضخم على المدى الطويل أكثر من الذهب لأن معروضه الكلي ثابت ولا يمكن أن يتضخم مهما زاد الطلب عليه.
لذلك، فإن السؤال هو ليس “هل تستحق البيتكوين الكهرباء التي تنفقها؟”
بل: هل تستحق دولة أفريقيا الوسطى بنية تحتية مصرفية آمنة وفعالة وسريعة متوافقة مع تقنيات القرن الحادي والعشرين؟ هل تستحق الشعوب العربية ملكية غير تضخمية تستطيع الشعوب العربية من خلالها الحفاظ بشكل فعال على طاقتهم الانتاجية؟ هل يستحق المغتربون في الخليج العربي نظام تحويلات عالمي سريع يعمل على مدار الساعة، يمكنهم من خلاله إرسال ما تبقى من رواتبهم الشهرية إلى عائلاتهم في الهند والفلبين مقابل رسوم ضئيلة؟ هل يحتاج العالم إلى نظام آمن لتخزين ونقل الطاقة الاقتصادية، مشرّع ومنظم ليس من قبل السياسيين والأكاديميين، بل من قبل قوانين الديناميكا الحرارية والقواعد الرياضية الصارمة؟
تتمثل إحدى الطرق الجيدة لقياس “استحقاقية استهلاك الطاقة” لأي نظام جديد في مقارنته مع الأنظمة الأخرى التي تخدم غرضًا مشابهًا مع مراعاة الاختلافات المتأصلة بينهما. إذا كانت مثلًا وحدة التكييف مكلفة أكثر من المروحة وتستهلك طاقة كهربائية أكبر (1500 واط)، فلماذا يشتريها العديد من سكان السعودية عوضًا عن عشرة مراوح رخيصة تستهلك معًا طاقة أقل بكثير من المكيف (50 واط × 10)؟ هل لأن هؤلاء الناس لا يهتمون بحماية الأرض من الاحتباس الحراري، أم لأن المراوح وحدها يستحيل أن تقيهم من حر الصيف؟
بالنسبة للبيتكوين، فنحن نحتاج إلى أن نقارنه ليس فقط بالذهب ولكن أيضًا بالأنظمة المصرفية وشركات الدفع. عند استخدامك لبطاقة الائتمان لشراء الآيس كريم، قد تبدو لك المعاملة سلسة وفورية، وذلك لأنّك لا ترى الجانب الآخر من العملة. في الحقيقة، تتمّ معالجة هذه المعاملات والتحقق من صحتها وتقاصها وتسويتها، من خلال العديد من مراكز البيانات التي تعمل على مدار الساعة، للتحقق من المعاملات والكشف عن التلاعب ومكافحة غسيل الأموال، ثم جمعها (بالبيتكوين: إدراجها في كتل) وتسويتها بين البنوك خلال 60 إلى 90 يومًا (بالبيتكوين: تعدينها كل عشر دقائق).
علاوةً على ذلك فإن البنوك وشركات الدفع تعمل في مبانٍ وأبراج تُستنزف بها الطاقة الكهربائية بشكل كبير، ناهيك عن تكلفة بيئية كبيرة لتشييدها، تبدأ من استخراج ونقل وطحن وصهر المواد الخام لتشكيل الأسمنت والزجاج والحديد والفولاذ وغيرها، إلى قيادة الشاحنات والحفارات والرافعات، ثم المدرعات لنقل وتسوية الخزنات والأصول. بمجرد تسويتها، يجب حماية الأصول والسجلات خلف جدران سميكة وأنظمة أمان رقمية غير فعالة وقابلة للتلاعب والحظر والمصادرة ومكلفة من حيث الرسوم، الخصوصية، وسرعة التسوية.
لحسن الحظ فقد تم في عام 2022 نشر أول دراسة علمية متكاملة تحلل وتقارن استهلاك البيتكوين مقابل استهلاك النظام المصرفي للطاقة بنقل القيمة عبر المسافات.
مايميز هذه الدراسة هي تجنبها استخدام ربحية المعدنين وتكلفة تعدين البيتكوين بالدولار كطريقة لحساب الطاقة المستهلكة من قبل المعدنين مثل ما فعل الباحثون في جامعة كامبردج. وهذا شيء جيد لأن دراسة كامبردج قد اعتمدت على سعر موحد للكهرباء لجميع المعدنين مما زاد هامش الخطأ بمقدار كبير, لأننا كما نعرف، المعدنين ليسو متمركزين في نقطة جغرافية واحدة بل هم موزعون حول العالم إذا فلديهم القدرة على تحصيل أسعار كهرباء رخيصة ومستمدة من مصادر طاقة متجددة ومهدورة.
بدلًا من ذلك، لقد قام العالم ميشيل خازاكا بتقدير معدل طرح كل إصدار من إصدارات أجهزة التعدين ASIC إلى السوق وكل وحدة تم انتاجها من كل إصدار استنادًا إلى استطلاعات توزيع الأجهزة في السوق وتسليمها ودورة حياتها حتى انتهاء استخدامها. وبهذا قد استطاع بناء نموذج يقدٌر استهلاك شبكة البيتكوين للطاقة في أي وقت دون الاعتماد على أسعار الكهرباء. يدٌعي خازاكا أن النموذج قد استطاع التنبؤ بالقدرة التعدينية للشبكة حتى خلال فترات تناقصها مثل الفترة التي حظرت الحكومة الصينية المعدنين من أراضيها، أو فترة انقطاع التيار الكهربائي والانترنيت في كازاخستان. ومن ثم قام بحساب كمية المدفوعات التي يمكن انجازها وتسويتها على الشبكة مع مراعات طبقات الدفع الفوري للبيتكوين مثل شبكة البرق. لم يسع لي التحقق تمامًا من صحة ادعاءاته إلى الآن لأن النموذج معقد رياضيًا ويحتاج إلى بحث مطول وتأكد من مصداقية البيانات ولكنه البحث الوحيد الذي قد قارن البيتكوين بالنظام الأقرب إليه من حيث الوظيفة الاستعمالية، النظام المصرفي.
بالنسبة لصرف النظام المصرفي للطاقة فقد تم حساب تكلفة الوظائف التالية:
- طباعة وسك العملات
- تشغيل أجهزة الصراف الآلي
- النقل الفيزيائي للكاش بين البنوك
- عد النقود في نقاط البيع الكترونية
- معالجة كروت الدفع
- مكاتب البنوك
- تنقل الموظفين
- البنية التحتية التقنية للبنوك (IT)
- شبكات التواصل البنكي العالمي مثل سويفت
استنتج ميشيل خازكا بأن شبكة البيتكوين تستهلك مايقارب 88.95 تيرا واط ساعي سنويًا مقابل مايقارب 4981 تيرا واط ساعي سنويًا لمعالجة المدفوعات التقليدية. إذا كانت هذه الحسابات دقيقة فهذا يعني أن شبكة البيتكوين تستهلك طاقة حسابية أقل بـ56 مرة من البنوك المصرفية وشبكات المدفواعات.
قد يقول البعض أن هذه الدراسة منحازة للبيتكوين أو هنالك تضارب مصالح من نوع ما. لا يمكنني الجزم بصحة وحيادية هذا الدراسة، ولكن مانراه إلى الآن هو أن “العلماء” الآخرين في جميع الأوراق البحثية الأخرى قد قارنوا استهلاك البيتكوين للطاقة باستهلاك الدنيمارك للكهرباء، تعدين الذهب، وانتاج اللحم والبترول… يعني قارنوه بكل شيء عدا النظام المصرفي! إن دل هذا على شيء فهو يدل على سوء النية في طرح هذه المسألة في الأوساط الأكاديمية.
هل أنا أبالغ؟ ربما، ولكن ليس بقدر المبالغة التي والدراما التي يعيشها علماء السلطة، ألق نظرة على عنوان هذه الدراسة:
الانبعاثات الناجمة عن البيتكوين وحدها يمكن أن ترفع الاحتباس الحراري العالمي فوق 2 درجة مئوية.
“عالمياً، يتم إجراء حوالي 314.2 مليار عملية دفع إلكترونية سنويًا، بينما كانت حصة البيتكوين حوالي 0.033% في عام 2017. ينشأ القلق البيئي حول استخدام البيتكوين من أثره الكربوني الكبير على نسبة صغيرة من عمليات الدفع الاكترونية حول العالم.”
عند تحليل نظام نقدي معقد بداخل بداخل نظام اجتماعي معقد، يحاول العلماء ذوي التفكير الاختزالي تحديد المتغير الذي يعتقدون أنه مقياس سهل الحساب في نظام البيتكوين، وهو تكلفة الطاقة لكل عملية دفع. ثم يقومون بتقدير العبء المستقبلي على الشبكة بشكل خطي، متجاهلين حقيقة أن العمليات بين الأفراد والتجار والمؤسسات والبنوك والحكومات تختلف في القيمة والمسافة والسرعة والصعوبة القانونية والرسوم، ويعتقدون أنه إذا قرر مليارات الناس في وقت ما في المستقبل استخدام البيتكوين بنفس الطريقة التي يستخدمون بها النقود الورقية وبطاقات الائتمان في المدفوعات اليومية، فيجب أن يستخدموا الطبقة الرئيسية للتسوية التي تعتمد على عملية التعدين.
من العدل ذكر أن عبء تسجيل المدفوعات الدقيقة في الوقت الحالي قد يبدو مرتفعًا حقاً مقارنةً بقيمتها المالية. ولكن مع اعتماد ونمو البيتكوين، فإن المدفوعات الدقيقة لا تتطلب طاقة إضافية لأنها لا تحتاج إلى تسوية مباشرة ونهائية أو الموافقة الإجماعية من المعدنين ومشغلي الشبكة في جميع أنحاء العالم لإضافة هذه المعاملات إلى السجل النقدي للبيتكوين، مثلما فاتورة الكهرباء لمبنى البنك المركزي لا تزيد مع كل عملية سحب نقود من الصرافات الآلية. بدلاً من ذلك، يمكن جمع هذه المعاملات وتقاصها وتسويتها بين الحسابات من خلال سجلات وصائية مركزية تابعة لشركات خاصة وبنوك مثل بايبال وكراكن وبنك تشيس، أو من خلال سجلات غير وصائية لاتحتاج إلى الثقة بطرف ثالث عبر شبكة البرق.
شبكة البرق، بشكل موجز، هي شبكة لامركزية من السجلات المشتركة بين المستخدمين مبنية باستخدام تكنولوجيا العقود الذكية متعددة التواقيع Multisig Smart Contracts، تعمل كطبقة دفع فورية فوق طبقة البيتكوين الأساسية لزيادة كفاءة وسرعة المعاملات الخاصة بالبيتكوين مع تقليل الرسوم بشكل كبير. تتيح لك اليوم إرسال المدفوعات الدولية العابرة للحدود بقيمة تبلغ 0.01 سنت في ثوانٍ أو حتى ميلي ثانية عبر طبقة لا تتطلب عمليات التعدين إلا عند “فتح” أو “إغلاق” هذه السجلات والتي نسميها “قنوات السيولة” وبذلك فشبكة البيتكوين تبقى الحكم الأخير الذي يضمن تماشي الأفراد بشروط هذه العقود الذكية بشكل لامركزي ودون حاجتهم بالثقة ببعضهم البعض، إذا فشبكة البرق هي الحل التوسعي الأمثل الذي يتماشي بشكل متكامل مع مبادئ الأمن والخصوصية واللامركزية للبيتكوين.
أما بالنسبة للمعاملات ذات القيمة الكبيرة، فيمكن اليوم إرسال مليار دولار عبر شبكة البيتكوين إلى أي مكان في العالم وتسوية هذه المعاملة في غضون 30 دقيقة مقابل رسوم لا تتجاوز الدولار الواحد. هذا أمر مستحيل تمامًا تحقيقه بالبنية التحتية المصرفية الحالية.
من العدل أيضًا أن نذكر أن صعوبة التعدين لا تزال في ازدياد بالتزامن مع ازدياد الطلب على البيتكوين، ولم تصل بعد إلى ذروتها، لذلك طالما أن التعدين لا يزال نشاطًا مربحًا للعديد من الأشخاص، فإن استهلاك البيتكوين للطاقة قد يستمر في الارتفاع. ومع ذلك، فإن كفاءة رقائق التعدين قد زادت وستزداد مع مرور الوقت، حيث تدفع الربحية في التعدين الصناعة بشكل أسرع من الحوسبة ذات الأغراض العامة مثل الحواسيب الشخصية والهواتف المحمولة ومراكز البيانات، مما يعني أن أجهزة التعدين المستقبلية قد تنتج أمانًا أعلى (معدل هاش أعلى يرفع من التكلفة العملية للهجوم) بكمية مساوية أو أقل من الطاقة الكهربائية التي تستخدمها الشبكة حاليًا.
تعدين البيتكوين مفيد للبيئة
تقع أكبر مقبرة إطارات في العالم في الكويت . قبل سنوات قليلة كانت تحرق وتنبعث منها الغازات السامة مباشرة إلى الجو. ومع أن هيئة البيئة في الكويت قد تعاقدت مع شركة EPSCO لإعادة تدوير النفايات، إلى أن الشركة قادرة فقط على إعادة تدوير 3 ملايين إطار سنويا فقط – يعني أن إعادة تدوير جميع الاطارات سيستغرق أكثر من 14 عاما وهذا لا يشمل كمية نفايات الإطارات التي يتم إنشاؤها خلال ذلك الوقت.
يعتبر التعدين من الصناعات القليلة المرنة جغرافيًا، أي أنها قادرة على التمركز في أي موقع في العالم، بغض النظر عن بعدها عن المدن أو مدى خطورة البيئة المحيطة. لهذا فهو يقدم حلًا أجود وأكثر كفاءة وربحية للتخلص من هذه الإطارات.
، يمكن أيضًا أن يقلل تعدين البيتكوين من انبعاثات الميثان وهو من أكثر الغازات المسببة للاحتباس الحراري من خلال استخدام الغاز المسرب الذي يتم إنتاجه أثناء عمليات التنقيب عن النفط وتعدين الفحم. عادةً ما يتم حرق هذا الغاز بسبب عدم ربحية معالجته ونقله. أما اليوم، فبعض عمليات تعدين البيتكوين تستخدم الآن هذا الغاز المهدور لتشغيل مشاريع التعدين الخاصة بهم بدلاً من حرقها مباشرة. باستخدام هذا الغاز يمكن لعمليات تعدين البيتكوين أن تقلل من كمية الميثان التي يتم إطلاقها في الغلاف الجوي. إذا فالتعدين يشكل حافزًا ماديًا لدعاة حماية البيئة بالبحث عن مصادر تسريب غاز الميثان في العالم والاستفادة من منها بتعدين البيتكوين واكتساب الأرباح. كمثال واقعي تقوم حاليًا ExxonMobil أكبر شركة منتجة للنفط في الولايات المتحدة الأمريكية بالاستفادة من الميثان المسرب من حقولها بتعدين البيتكوين وتخفيض انبعاثات مكافئ ثاني أكسيد الكربون بنحو 63٪ مقارنة بالحرق المستمر.
الصورة أدناه تُظهر مراكز بيانات صغيرة من Upstream Data تحتوي على معدات تعدين البيتكوين موصولة بمولد كهربائي ومصدر طاقة يتوفر به طاقة فائضة.
ليس هذا وحسب، يمكن لمحطات توليد الطاقة المتجددة التي تستخدم الطاقة الشمسية أو الكهرومائية أو الحرارية الجوفية أو حتى الحمم البركانية (كما فعلت السلفادور حديثا) استثمار الطاقة الفائضة عن طريق ربطها بمراكز بيانات صغيرة لتعدين البيتكوين يمكن وضعها بجانب مواقع توليد الطاقة، وهذا يمكّن رواد المشاريع في مجال الطاقة الخضراء من الوصول إلى نقطة تعادل استثماراتهم مع التكاليف Break-even بشكل أسرع، مما يعزز الابتكار في سوق الطاقة المتجددة في مختلف أنحاء العالم، ويحل مشكلة تفاوت العرض والطلب على الطاقة نتيجة لعدم توافر شبكات توزيع وأنظمة تخزين رخيصة حاليًا.
الرسم البياني التالي يوضح الأثر الافتراضي لتعدين البيتكوين على اعتماد أنظمة الطاقة الشمسية (الخلايا الشمسية والبطاريات).
استنادًا إلى تكلفة ثابتة للكهرباء، يتتبع الرسم البياني نسبة الطاقة التي يمكن أن توفرها محطات الطاقة الشمسية للشبكة الكهربائية. يمثل المحور الأيمن قدرة المحطة الشمسية، والمحور الأفقي قدرة البطارية. حجم كل دائرة متناسب مع حجم مشاريع تعدين البيتكوين. مع توسع مشروع تعدين البيتكوين، يزداد حجم المحطة الشمسية وبذلك توفر نسبة أعلى من احتياجات الشبكة. يسمح توسع تعدين البيتكوين لمزود الطاقة بـ “توسيع بناء” المحطة الشمسية دون إضاعة الطاقة. في الجزء الأيسر السفلي من الرسم البياني، في حالة عدم وجود مشروع تعدين للبيتكوين، يمكن أن تلبي مصادر الطاقة المتجددة فقط 40% من احتياجات الشبكة. في الجزء العلوي الأيمن من الرسم البياني، عندما يتم إدخال أنظمة تعدين البيتكوين، يمكن للطاقة الشمسية والبطاريات أن تلبي 99% من طلب الشبكة الكهربائية. وهذا ماقد دفع شركات مثل Square و Blockstream للاستثمار في محطة شمسية متكاملة مع بطاريات بسعة كبيرة من نوع Megapack الخاص بشركة Tesla ومعدات تعدين بيتكوين.
بشكل عام، فإن أكثر مصادر الطاقة استدامة وربحية بالنسبة للمعدنين هي؛ الطاقة الكهرومائية والجوفية الحرارية، الطاقة النووية، والطاقة الفائضة بمختلف أنواعها.
التعدين يساعد على تقدم وازدهار المجتمعات
في المناطق التي تتوفر فيها موارد الطاقة الوفيرة مثل ولاية تكساس، يحفز قطاع التعدين مزودي الطاقة على التوسع وبناء محطات توليد الطاقة الكهربائية بشكل أكبر (بما في ذلك محطات الطاقة المتجددة). خلال فترات الطلب المنخفضة، يمكن للمعدنين شراء الطاقة بأسعار أرخص، وعندما يصل الطلب إلى ذروته (مثلا عند حصول العواصف الشتوية وموجات الحرارة) يمكنهم إغلاق عملياتهم أوتوماتيكيا للحفاظ على استقرار التيار المتجه للمنازل والشركات التجارية. بالتعاون مع مجلس استدامة الكهرباء في تكساس (ERCOT)، تم اختبار هذا المفهوم بنجاح في عام 2023 فقد قام المعدنون فعلا بتقليص عملياتها في التزامن مع الزيادات المفاجِئة في الطلب السكني على الكهرباء نتيجة عواصف الثلج بالشتاء وموجات الحر في الصيف مما أمد السكان في تكساس بتيار أكثر استقراراً امن السنوات الماضية.
أما في دولة الإمارات العربية المتحدة فقد قامت شركة Marathon للتعدين بالتعاقد مع Zero Two، بدعم من صندوق سيادية في أبوظبي، لإنشاء أكبر عملية تعدين على نطاق واسع في الشرق الأوسط (250 ميجاواط) لهذا الهدف بالذات وهو الاستفادة من الطاقة الفائضة والاضطرابات في الاستهلاك لدعم الشبكة الكهربائية وزيادة استدامتها في العاصمة.
برأيي، بغض النظر عن مدى “نظافة” تعدين البيتكوين وفائدته، فلن يكون ذلك كافيًا للسلطويين والديناصورات المحافظة التي تخالف أي اقتراح لتغيير الوضع الراهن. لا يمكن لأي قدر من الطاقة أن يبرر وجود البيتكوين لأنهم يعتقدون بأن البيتكوين يهدد النظام الفاسد الذي تعتمد عليه مناصبهم ورواتبهم.
هناك تأثيرات بيئية للبيتكوين حتى عندما يستخدم المعدنين الطاقة النظيفة. على سبيل المثال، في حالة المجتمعات التي لديها طاقة كهرومائية حيث تتواجد غالبًا مشاريع التعدين، فإن زيادة استهلاك الكهرباء من قبل شركات التعدين تقلل من كمية الطاقة النظيفة المتاحة للاستخدامات الأخرى ، مما يرفع الأسعار ويزيد الاعتماد العام على مصادر الكهرباء الأكثر قذارة.
بيان من البيت الأبيض
في النهاية، لا يهم ما إذا كانوا يجدون البيتكوين استخدامًا جيدًا للطاقة أم لا ، فالمعدنون يدفعون المال مقابل الكهرباء التي يحصلون عليها بسعر السوق، تمامًا مثل أي شخص آخر. لذا فمن الأفضل تجاهلهم والاستمرار في بناء البيتكوين وشبكة البرق بدلاً من محاولة إقناعهم بحجج سخيفة مثل “البيتكوين يستخدم 60% طاقة متجددة”. فلسفيًا علينا أن نفهم بأن الزيادة في استهلاكنا للطاقة هو شيء جيد فالطاقة هي وقود ازدهار النسب البشري. هذا لايعني بأن الأنساب الأخرى التي تعيش معنا على الكوكب مثل الحيوانات والنباتات والفطور والبكتيريا ليست مهمة. يمكننا التعايش سويًا. طالما أن الله ينعم علينا بالعلم والحكمة، والشمس تمطرنا بكم هائل من الطاقة كل صباح وتدفع بتطور الحياة إلى آفاق جديدة، فالوجود على هذا الكوكب هو ليس لعبة محصلتها صفر.
في الختام، يمكن تبرير استهلاك البيتكوين للطاقة من خلال النظر إلى الفوائد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية الناتجة عن كفاءة وقوة خوارزمية إثبات العمل المرتبطة به، والتي تضمن أمان وموثوقية نظام دفع عالمي لامركزي قادر على تخزين ونقل الطاقة الاقتصادية للجنس البشري عبر الزمان والمكان.
الحكاية لن تنتهي بعد بل ها هي قد بدأت! سأقوم بتحديث هذه المقالة كل سنتين لأُضيف كل ماهو جديد في عالم التعدين والطاقة، البيتكوين، وشبكة البرق⚡️
أعجبك المقال؟
تحويلك يذهب منك مباشرة إلى للكاتب
أحصل على محفظة برق من هنا