اقرأ المقال الأصلي، وتابع Hasu و Su Zhu | ترجمة: SB3
ادعم المزيد من التراجم – Support more translations
ظهر لنا من قبل أن البيتكوين مؤسسة اجتماعية واقتصادية جديدة. لكن السؤال لم يزل: من الذي سيستعملها؟ هل للبيتكوين مكان بين بقية المؤسسات، وإذا كان ذلك كذلك، فأين هو؟ هل البيتكوين منافسٌ رديءٌ لبايبال وفيزا، كما تريد وسائل الإعلام أن تقنعك، أم هي شيءٌ أكبر من هذا؟
إذا أردنا وضع البيتكوين على الخريطة مع بقية المؤسسات، فلنفهمْ أوّلًا لمَ بنى البشر المؤسسات أصلًا.
البشر كائنات محدودة. نعم، نستطيع أن نتعلم، ولكننا لا نستطيع أن نطور أدمغتنا وأجسامنا كما يمكننا أن نطور الأقراص الصلبة والمعالجات في حواسيبنا وآلاتنا. بل إن قدراتنا الجسمية والعقلية لم تتغير إلا طفيفًا منذ كنا نهيم في الأرض صيّادين قاطفين. لذا، لم يكن في مقدورنا التوسع إلا من خلال التعاون. كل الفتوحات العلمية، كل التطورات في الإنتاجية والازدهار، عائدةٌ إلى قدرتنا على التعاون بعضنا مع بعض.
لكن التعاون فيه مشكلة توسع
لكن، لمّا كان عالمنا فاقدًا لليقين في جوهره، كان التعاون صعبًا علينا. إننا نستهلك مقادير ضخمة من جهدنا لنتوقع كيف سيتعامل الآخرون مع أفعالنا، ونعرف إذا كانت أفعالنا ستجر علينا تأثيرًا سلبيًّا.
وعندما لا نستطيع توقع سلوك الآخرين على نحو ثابت، تصبح حياتنا في معضلة السجينين. هل ينبغي لنا أن نعاون أحدًا في صيد ظبي، أم نصيد أرنبًا نستطيع صيده وحدنا؟ كيف نأمن ألّا يضربنا الرجل على رأسنا بعصًا ليسرق الظبي؟ إن سبيل الإنسانية إلى التوسع والازدهار يكمن في إيجاد طريق لكسر معضلة السجينين هذه والتعاون رغم وجودها.
تقدم لنا نظرية الألعاب حلّين لمعضلة السجينين. أولهما: تحويل اللعبة ذات المرة الواحدة إلى لعبة متكررة. لأنك إذا أردت أن تلقى شريكك في الصيد مرة أخرى غدًا، كنتَ أقربَ إلى السلوك الحسن، لكي تأمَن انتقامه. لكن التفاعلات الاجتماعية المتكررة — أو التجارب الاجتماعية المتكررة— لا تكون ممكنة إلا في مجموعة محدودة من الناس في الوقت الواحد، وهو رأي الأنثروبولوجي روبن دنبار.
عدد دنبار هو حدٌّ ذهني مقترح لعدد الأفراد الذين يستطيع المرء معهم أن يحافظ على علاقات اجتماعية مستقرة. يؤكد أنصار هذه النظرية أن أي عدد أكبر من هذا العدد سيتطلب قوانين أكثر، وأنماطًا مفروضةً أكثر، للحفاظ على مجموعة مستقرة متماسكة.
التعاون من خلال المؤسسات
القاعدة الثانية التي أشار إليها دنبار: «فلنقيّد يدينا» ونمنع أنفسنا من اتخاذ قرارات سلبية قد تضرنا. من سبل تحقيق هذا تبنّي قواعد أخلاقية مشتركة والتثبت من أن هذه القواعد مفروضة مجتمعيًّا. أما المجموعات التي تجاوز عددها عدد دنبار، فتحتاج إلى المؤسسات.
أهم أساسات أي مؤسسة: احتكار العنف. فإذا مكّنّا مجموعة متخصصة من الناس من حماية البلدة، كان في إمكاننا الاشتراك في الشركات المنتِجة من دون القلق بشأن حماية ثمرات هذه الشركات. إن تأسيس احتكار قوي وخيّر للعنف يقوّي الأخلاق المشتركة أيضًا ويجعلها نظامًا قانونيًّا رسميًّا. تصبح القوانين أقوى إذا استطاعت جهة قوية في المجتمع إجبار كل فرد على أن يتبع القوانين فلا يكون «فوق القانون».
وعلى أكتاف احتكار العنف والنظام القانوني، تقوم أهم مؤسسة في الوجود: حق الملكية الخاصة. يتيح لك نظام الملكية الخاصة الذي تحميه الحكومة، الحق الحصري في استعمال مواردك كما تشاء. وجدت الدراسات أن الازدهار وحقوق الملكية مرتبطتان ارتباطًا لا ينفك.
حقوق الملكية
تقوم كل المؤسسات العليا على أساس وجود حقوق ملكية محمية حمايةً قوية، ومعرفةٍ تعريفًا جيدًا. الأسواق أنظمة تقرِن الباعة بالمشترين وتسمح بالتخصص وتقسيم العمل، والمال يسمح بتشكيل إشارات سعر دقيقة للمنتجين والمستهلكين.
نحتاج إلى احتكار العنف لتشكيل نظام قانوني، ونحتاج إلى النظام القانوني لضمان حقوق الملكية الخاصة. نحتاج إلى حقوق الملكية ليكون عندنا أسواق وشركات، ونحتاج إلى الأسواق والشركات ليكون عندنا رأسمالية. وإنما تتقدم الحضارة باختراع مؤسسات جديدة، تكون كل واحدة منها مبنية على الموجودات من قبل. وهنا صورة مبسَّطة لابتناء المؤسسات بعضها على بعض”
بتسهيل التعاملات الإنسانية تكسر المؤسسات الاجتماعية معضلة السجينين وتقلل قلقنا من أن يؤذينا أحد. ينتج عن هذا قدرة على التنبؤ بأفعال الآخرين، تمكننا من توسيع ثقتنا لتشمل الغرباء وتسمح بالتعاون في مجموعات يتجاوز عدد أفرادها عدد دنبار.
مؤسسة البيتكوين
إذا نظرنا إلى البيتكوين على أنها مؤسسة حديثة، فما هي الحقوق التي تفتحها لنا؟ لنتذكر معًا قواعد العقد الاجتماعي للبيتكوين: لكل أحدٍ الحق في دخول شبكة البيتكوين من دون إذن أحد (لا رقابة)، وليس لأحد أن يصرف مالًا غير الذي يملكه (لا مصادرة). وزد على هذا عدم وجود جهة مركزية تستطيع طباعة المزيد من المال في المستقبل لتسرق القوة الشرائية من أيدي الناس (لا تضخم). أخيرًا، يستطيع كل أحد أن يتحقق من أن القوانين مطبقة قبل قبول دفعة مالية (لا تزوير).
هل تثبت هذه القواعد أمام اختبار الواقع؟ يقول إريك دي. تشاسون في ورقته الرائعة «كيف تعمل البيتكوين نظامًا للملكية»: «لقد ابتكر ساتوشي ناكاموتو نوعًا من الملكية يمكن أن يوجد من دون الاعتماد على الدولة، أو على السلطة المركزية، أو على أي بنية قانونية تقليدية».
وأنا سأخطو خطوة أخرى وأقول إن شبكة البيتكوين، وعملتها تضمن شكلًا من أشكال الملكية هو أعظم من أي شكل آخر قدمته أي مؤسسة اجتماعية اقتصادية في تاريخ الإنسان.
عهد جديد من حقوق الملكية
أهم ابتكار ابتكرته البيتكوين: فصل حقوق الملكية من النظام القانوني واحتكار العنف. فقد صار في إمكاننا لأول مرة في التاريخ أن نتملّك أملاكًا من دون الاعتماد على سلطة مركزية تفرض هذه الملكية وتحميها. يسهل إخفاء هذه الملكية وحمايتها وتقسيمها ونقلها والتثبت منها، وكل هذا يستطيعه الفرد الواحد، وهو ما يعطيه أعلى مستوى من السيادة الفردية.
كان من شأن حقوق الملكية أن تعتمد اعتمادًا كاملًا على مستويات أخرى في مكدس المؤسسات الاجتماعية، لا سيما احتكار العنف والنظام القانوني. فإذا كان أساس المكدس مهتزًّا، لم يكن عندنا حقوق ملكية قوية. أما البيتكوين فهي تعتمد اعتمادًا كاملًا على نفسها، لتضمن لنا أعلى مستويات حقوق الملكية الممكنة لأي أحد في العالم، بغض النظر عن جودة المؤسسات الأدنى، أي الحكومة والنظام القانوني.
تفتح البيتكوين مجالًا جديدًا للقيمة. كما فتحت لنا القوارب القدرة على النقل عبر البحار، والطائرات القدرة على النقل عبر الجو، كذلك أتاحت لنا البيتكوين طبقة بديلة لتخزين القيمة ونقلها، بوصفها أول أصلٍ رقميٍّ خالص. وهي تضمن القدرة على الوجود في العالم الرقمي وحده، الذي اتخذت منه البيتكوين كل خصائصها. فلا يمكن أن تُهاجَم البيتكوين في الواقع الفيزيائي كما يمكن للأصول الفيزيائية أن تهاجم.
لن تظهر مقتضيات هذا الفتح إلا مع الزمن، ولكننا نستطيع من الآن أن نخمّن من سيستفيد من البيتكوين استفادةً كبيرة:
1. كل من يسكن في مكان حقوق الملكية فيه ضعيفة
2. كل من يميز النظام المالي الحالي ضده
3. كل من يسكن في مكان عملته المحلية ضعيفة، لها معدلات تضخم عالية
4. كل من يريد أن يخزن أو ينقل مقادير كبيرة من القيمة (إذ تتطلب القيَم الكبيرة مستويات عالية من الأمن)
تقدم البيتكوين لهؤلاء الناس القدرة على التعاون بفعالية أكبر، وزيادة إنتاجيتهم وازدهارهم. وتتيح لهم أن يخبئوا أموالهم للمستقبل، وأن يبنوا ثروات يمكن الاستثمار بها في شركات إنتاجيتها أعلى، لتسمح لهم أن يشاركوا في التجارة العالمية مع الناس في مختلف أنحاء العالم.
التقدم من خلال التنافس
بل قد تنفع البيتكوين من لم يستخدمها قط. بوصفها واقيًا من أخطاء البنوك المركزية، تجعل البيتكوين النظام المالي العالمي أمرَن. ومن الطريف أنها قد تطور أنظمة الملكية والمال الأخرى حول العالم. كيف؟ نعم، هذا هو أثر التنافس في السوق. إذا كنت من زبائن شركة آبل، فإنك تستفيد من إصدار سامسونغ هاتفًا جديدًا، لأنها بذلك تفرض على آبل أن تطور قيمة منتجها لتبقى قادرة على المنافسة في السوق.
ونتيجة لهذا، قد نشهد تطورًا في جودة أنظمة الملكية والمال حول العالم، لأن البيتكوين فتحت الباب للتنافس وفتحت سوقًا جديدة. يساعدنا هذا أيضًا على فهم أن البيتكوين ليست منافسًا لفيزا وبايبال. بل هي منافس للحكومات المحلية، والأنظمة القانونية وحقوق الملكية، وهي الطبقات المؤسسة في المكدس الحالي، لا المعالجات المبنية عليه.
تتوسع الحضارة من خلال التعاون، ولكن التعاون بين الغرباء صعبٌ جدًّا. تمكننا المؤسسات الاجتماعية من حل معضلة السجينين وتسمح لنا أن نتعاون في مجموعات أكبر. في قاعدة المكدس، نحتاج إلى احتكار للعنف مستقرٍّ وخيّر، ليُقيم النظامَ القانوني ويؤسس حقوق الملكية. لم يكن قبل اليوم من الممكن وجود حقوق ملكية قوية في أماكن حكومتها المحلية ضعيفة. لا تعتمد البيتكوين على النظام الموجود ومن ثم فهي تعطينا أعلى أشكال حقوق الملكية، أينما كنا ومهما كنا.