المقالة الأصلية | المؤلف: Parker Lewis | ترجمة: BTCTranslator | تاريخ الكتابة: أغسطس 2019
كم مرّة استمعت إلى تعليمات السلامة قبل أن تقلع في طيارة تجارية عادية؟ الراجح أنك تحفظ هذه التعليمات عن ظهر قلب، ولكن، في كل مرة، قبل إقلاع الطائرة، تتلو مضيفات الطيران على المسافرين مع أطفالهم أن يضعوا قناع الأكسجين أوّلًا ثم الاهتمام بالأطفال. بديهيًّا، هذا أمر يخالف الحدس. منطقيًّا، إنه أكثر أمر مقنِع في العالم. تأكّد أنّك تتنفّس، لكي يتنفّس الولد المعتمد عليك أيضًا. هذا المبدأ نفسه ينطبق على وظيفة التعاون في المال في اقتصاد ما، وعلى الموارد اللازمة لحماية هذه الوظيفة. في تنبيه فلسفي أكثر، قد تقول مضيفة الطيران: «تأكّدوا رجاءً أن معروض المال آمن لكي نستطيع أن ننظّم نشاط ملايين الناس حول العالم ليبنوا هذه الطائرات شديدة التعقيد التي لولا هي ما استطعتم أصلًا التفكير في المشكلة التي سأبيّنها لكم الآن».
سنعود إلى هذا، ولكن، اعلم أنه لا أمل أن تفهم مقدار الطاقة الذي يستهلكه البيتكوين قبل أن تقدّر الدور الأساسي الذي يلعبه المال في تنظيم النشاط الاقتصادي. ما هو المال؟ كيف يعمل؟ كيف ينبغي أن يعمل؟ ما وظيفته في المجتمع؟ إذا لم تجد إجابات لهذه الأسئلة، لن تدرك ثقل المشكلة التي يريد البيتكوين حلّها. ومن دون إدراك المشكلة، لن تقدّر أبدًا تكلفة حلّها.
أي عدد من الناظرين المكترثين سيرفعون الراية الحمراء إذا رأوا مقدار الطاقة الذي تستهلكه شبكة البيتكوين. يأتي هذا القلق من فكرة أن الطاقة المستهلكة في شبكة البيتكوين يمكن أن تستهلَك في أشياء منتجة أكثر، أو أن استهلاك كل هذه الطاقة هكذا يضرّ البيئة. كلا الرأيين يتجاهل الأهمية الأساسية لاستهلاك الطاقة في شبكة البيتكوين. على المدى الطويل، لعلّنا لن نجد استهلاكًا للطاقة أعظم أو أهم من استهلاكها لحماية تماسك شبكة مالية، في هذه الحالة، شبكة البيتكوين. ولكن، لن يوقف هذا الذين لا يفهمون المشكلة، سيستمرّ قلقهم.
«إن الطبيعة الهدّارة الجوهرية في تعدين البيتكوين تعني أنه ما من حلٍّ تقنيّ سهل قادم».
ذا غارديان
«في سياق التغير المناخي، وحرائق الغابات الهائجة، والأعاصير المحطمة للأرقام القياسية، يستحق الأمر أن نسأل أنفسنا أسئلة صعبة عن أثر البيتكوين على البيئة».
فايس ميديا
استهلاك البيتكوين للطاقة
أوّلًا، يحمي البيتكوين شبكة لا مركزية من العقد (وهي حواسيب تشغّل بروتوكول البيتكوين). هذه العقد الاقتصادية في الشبكة تولّد التحويلات وتحققها وتمررها، وتحقق بعد ذلك الكُتَل (وهي مجموعة مسلسلة زمنيًّا من الحوالات)، وتمرّرها. تقوم عُقَد التعدين بوظائف مشابهة ولكنها تقوم أيضًا بوظيفة برهان العمل، لتوليد الكتل وحلّها ونقلها إلى بقية الشبكة. بالقيام بهذا العمل، يتثبّت المعدّنون من تاريخ البيتكوين وقومون بوظيفة “التسوية” للحوالات الجارية، التي تمرّ بعد ذلك على كل العقد لتتثبت منها أيضًا. الأمر أشبَه بتسوية الحوالات في فدراليّ نيويورك ولكن على أساس لامركزيّ تمامًا، يجري كل عشر دقائق (بالمتوسط).
يتطلب العمل هذا كميات كبيرة من الطاقة للمعالجة، يقدّمها المعدّنون من شتّى أنحاء العالم، لتعمل الشبكة 24 ساعة في اليوم، و7 أيام في الأسبوع. قوة المعالجة هذه محتاجة إلى الطاقة. ولكي أعرّفك السياق، تستهلك شبكة البيتكوين حاليًّا (وقوّة الحوسبة فيها 75 إكسا هاش في الثانية) نحو 7 إلى 8 غيغا واط من الكهرباء، وهو ما يعني نحو 9 ملايين دولار في اليوم (أو نحو 3.3 مليار دولار في السنة) من الطاقة، بتكلفة حدّيّة تبلغ 5 سنتات لكل كيلو واط ساعي (تقديرات تقريبية). بناءً على المتوسطات في الولايات المتحدة، تستهلك شبكة البيتكوين قريبًا ممّا يستهلكه 6 ملايين منزل. نعم، لا شك أن هذه كهرباء كثيرة، ولكنها هي التي تحمي شبكة البيتكوين وتدعمها.
كيف يمكن تبرير كل هذه الطاقة؟ وماذا ستستهلك الشبكة إذا أصبح مستخدموها مليار إنسان؟ الدولار ممتاز وكافٍ، أليس كذلك؟ هذه هي القضية، ليس الدولار كافيًا ولا جيّدًا. هذه الموارد كلها مسخّرة لحل مشكلة لا يفهم معظم الناس أنها موجودة، وهو ما يجعل تبرير التكلفة الاشتقاقية تحدّيًا. لكي نخفف آلام البيئيين ومناضلي العدالة الاجتماعية، نشير عادة إلى قصص مشابهة لنجعل الأمر سائغًا أكثر:
- قسم كبير من استهلاك الطاقة في شبكة البيتكوين مولّد من مصادر متجددة.
- سيحفّز البيتكوين الابتكار في تطوير تقنيات وموارد طاقة متجددة.
- البيتكوين يستهلك طاقة لولاه لكانت مهدورة، بل تُحرق في الجو.
- البيتكوين يستهلك الطاقة التي تقدمها السوق الحرة وبسعر السوق الحرة.
- البيتكوين يستهلك موارد طاقة لم تكن لتكون نافعة من دونه.
- إن طبيعة طلب البيتكوين للطاقة ستحسّن فعالية شبكات الكهرباء.
ستريك هذه الاعتبارات أن الرأي البسيط القائل بأن استهلاك البيتكوين للطاقة هادر أو مضرّ للبيئة، رأي لا يصمد أمام الفحص. ولكن، من دون تقدير عِظَم المشكلة المالية التي يريد البيتكوين حلّها، لن يمكن تبرير هذه الكلفة الحدّيّة. يقدّم البيتكوين حلًّا للمشكلات النظاميّة الموجودة في نظامنا المالي القديم، وهو يعتمد على استهلاك الطاقة ليعمل. يعتمد الاستقرار المالي على وظيفة المال، ويقدّم البيتكوين إطارًا ماليًّا سليمًا أكثر، لذلك، ما من استخدام للطاقة هو أهمّ على المدى الطويل من استهلاكها لحماية شبكة البيتكوين. لذا، بدلَ التوسّع في كل النقاط المذكورة أعلاه لمواجهة السردية السائدة، لن تجد مكانًا أفضل للتركيز من مشكلة المبدأ الأول نفسها: مشكلة المال والتيسير الكمّي، انظر هنا.
وظيفة المال
إن مشكلة المال مشكلة عظيمة، ولو أن معظم الناس لا يدركونها. يشعر معظم الناس بالمشكلة في حيواتهم اليومية ولكنهم يعجزون عن تحديد السبب الأصلي. يعملون أكثر، وساعات أطوَل، ويستدينون، ولا تكون معيشتهم بعد ذلك إلا بالتكاليف. لا بدّ من طريق أفضل، ولكن لكي نعرف الحل، لا بد في الأول أن نفهم المشكلة. المشكلة الموجودة في أموالنا وأثرها على مجتمعنا متفشّية.
من دون أن نغوص في تفاصيل تعريف المال (اقرأ لذلك كتاب معيار البيتكوين أو مقال نيك زابو تقبيض)، سنفصّل وظيفته في المجتمع، وهي قضية أسهل شرحًا. المال هو السلعة التي تسهّل التنسيق الاقتصادي بين الأفراد الذين لا سبيل لهم إلى التنسيق من دونها. بعبارة بسيطة، المال هو السلعة التي تجعل المجتمع يعمل، وتسمح لنا جمع رؤوس الأموال لنجعل حياتنا أفضل، وهي سلعة تتخذ أشكالًا عديدة بتعدد الشعوب. يُقال إن المال هو أصل الشرور، ولكن فردريك حايك يفصّل في كتابه: الطريق إلى الرِّقّ، أن المال عميل من عملاء الحرية.
«المال واحد من أعظم أدوات الحرّية التي اخترعها ابن آدم».
فردريك الحايك، الطريق إلى الرِّقّ
فإذا أردنا التحديد، قلنا إن المال هو السلعة التي تتيح التخصص وتقسيم العمل. تتيح هذه السلعة للناس أن يتبعوا مصالحهم، وهي الطريقة التي يعبّر بها الأفراد عن تفضيلاتهم للعالم، سواءٌ في الجد أو في الراحة، وهي التي تصنع لنا «مجال الاختيار» الذي نظنّه أمرًا طبيعيًّا. إن اقتصادنا الحديث قائم على أساس من الحرّيّة يقدّمه المال، ولكن النتيجة النهائية التي نراها: نظام معقد جدًّا ومتخصص.
لتبسيط المفهوم، يشرح ملتون فريدمان تعقيد قلم الرصاص (انظر هنا)، ويفصّل كيف أنه ما من أحدٍ مستطيعٍ بنفسه صنعَ قلم رصاص معياري. يفصّل فريدمان الخشب اللازم، والمنشرة اللازمة لتقطيعه، والصلب اللازم لصنع المنشرة، والحديد الخام اللازم لصناعة الصلب، والرصاص، والمطاط للممحاة، والحلقة النحاسية، والطلاء الأصفر، والصمغ، إلخ. ثم يشرح كيف أن قلم رصاص واحدًا يتطلب تنسيق آلاف الناس وتعاونهم، ومنهم أناس لا يتحدثون اللغة ذاتها، ومنهم ناس من أديان مختلفة، ومنهم ناس قد يكره بعضهم بعضًا إذا التقوا يومًا وجهًا لوجه. ويشرح أن القدرة على التنسيق تابعة لنظام السعر والسلعة الاقتصادية التي نسميها المال.
بتجريد القلم، فكّر الآن في تعقيد الاقتصاد الحديث. من السيارات إلى الطائرات إلى الإنترنت إلى الجوالات، حتى إلى البقّاليّة التي في حيّك. إن سلاسل الإمداد الحديثة متخصصة جدًّا إلى حدّ أنها تتطلب التنسيق بين ملايين البشر لتقديم واحدة من هذه الخدمات الأساسية. هذا التجميع لكل هذا النشاط الذي يوقّد التجارة العالمية ممكن بفضل المال.
مثال حيّ: فنزويلا
تقدّم فنزويلا مثالًا حيًّا على المستويين الأكبر والأصغر لأهمية دور المال في التنسيق الاقتصادي، وهي مثال على الفساد الذي يحلّ في المجتمع عند فشل السلعة المالية. فنزويلا بلد من أغنى الدول بالنفط في العالم، ولكن بخس العملة فيها أدّى شيئًا فشيئًا إلى التضخم المفرط. مع تدهور عملة البلد، تعطلت الوظائف الاقتصادية الأساسية في البلد إلى درجة أن الوصول إلى الغذاء في البقاليات، أو إلى الرعاية الصحية الأساسية، لم يعد أمرًا مفروغًا منه. إنها أزمة إنسانية بامتياز، وفي جذورها إنما هي نتيجة لفقدان فنزويلا للعملة المستقرة اللازمة لتنسيق النشاط الاقتصادي وتسهيل إنتاج السلع التي تحتاج إلى متاجرتها مع الاقتصاد العالمي.
ما علاقة هذا بالبيتكوين واستهلاك الطاقة؟ لأن فنزويلا بلد غني بالطاقة، لم يزل النفط أهم سلعة يصدرها، أو بالأحرى، السلعة التي لا بد أن ينتجها ليستطيع التجارة. وعلى أن فنزويلا من أغنى بلدان العالم بالطاقة، فإن إنتاج النفط فيها منحدر.
لا تستطيع فنزويلا استيراد التقانة اللازمة أو تنسيق الموارد اللازمة لاستخراج عملته التجارية الأولية (النفط). أدّى هذا الحال إلى تدهور الاقتصاد المحلي، بالإضافة إلى إتلاف قدرته على إنتاج الكهرباء اللازمة لدعم شبكاتها الكهربائية، وهو ما سبب انقطاعات ممتدة في الكهرباء، تمنع وصول الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء العذب والرعاية الطبية.
إن ما يحدث في فنزويلا كارثي، وهو نتيجة التدهور الاقتصادي الذي جاء به التضخم المفرط. يشوّه البخس المالي آلية التسعير للعملة، وهو ما يسبب اختلالات في التوازنات الاقتصادية. فإذا تدهور التنسيق الاقتصادي، تتعطّل سلاسل الإمداد في انحدار مستمر في معروض السلع الحقيقية (كالغذاء على الرفوف وإنتاج النفط، وغير ذلك). مع تزايد إنتاج المال، تصبح السلع الحقيقية نادرة بالمقارنة مع معروض المال، وهو ما يؤدي إلى تعطل وظيفة المال الأساسية. يثبّط هذا الوضع الأفراد عن إمساك العملة لأن السلع الحقيقية تصبح أندَر وأندَر، فيتجهون إلى بيع العملة بأسرع ما يمكن، باحثين عن الضرورات الأساسية، وهو ما يزيد تضخم العملة. هذا هو التدهور الاقتصادي بالتلاعب المالي 101.
تطبيقات للعالم المتقدم
الآن، يجلس كثير من الناس في العالم المتقدم وينظرون إلى فنزويلا ويقولون في أنفسهم «مستحيلٌ أن يحدث هذا هنا»، ولكنهم بهذا يتجاهلون كل المبادئ الأولى. سواءٌ أكنت تفهم هذا الأمر أم لا، فإن بنية السوق للبوليفار الفنزويلي والبيسو الأرجنتيني لا فرق بينها وبين بنية الدولار أو اليورو أو الين. الاحتياطي الفدرالي، وبنك أوروبا المركزي، وبنك اليابان، قد تكون هذه البنوك أفضل في إدارة الاستقرار (إلى الآن)، ولكنها لا تستطيع تغيير الحقيقة القاضية بأن عمادات كل أنظمة العملات الرقمية متطابقة.
لنذكر حال الولايات المتحدة مثلًا، لقد وسّع الاحتياطي الفدرالي قاعدته المالية من 180 مليار دولار عام 1984 إلى 4.2 تريليون دولار بعد التيسير الكمي الثالث، وهي زيادة بمقدار 23 ضعفًا. بسبب طبيعة اقتصاد الفدرالي القائمة على الائتمان، يحدث الإفساد الاقتصادي الناتج عن هذا البخس تدريجيًّا (انظر هنا) حتى تأتي الأزمة المالية التي تكون فجأة، ولم نزل اليوم جالسين على نفس الحافة، نتيجةً للتيسير الكمي. إذا كنت تعتقد أن العالم المتحضّر ليس في حالة مضطربة ولا هو قائم على القاعدة نفسها التي تقوم عليها فنزويلا، أودّ باحترام أن أشير لك إلى المريض رقم صفر: الاحتياطي الفدرالي، والبنك المركزي الأوروبي، وبنك اليابان. عادةً، يغفل الواثقون في هذه المؤسسات، عن المبادئ الأساسية والحس المشترك، ولكن تأمّل في الاقتباس المذكور أدناه من اقتصادي من الاحتياطي الفدرالي، قاله عقب الأزمة المالية عندما كان الفدرالي على مشارف إنشاء 3.6 تريليون دولار جديد، وهو جزء من سياسته في التيسير الكمي:
«إلى جانب ذلك، أريد أن أؤكد على أنني أرى أن الفجوات في فهمنا للاتصالات بين القطاع المالي والقطاع الحقيقي فجوات عميقة».
ديفيد ولكوكس، اقتصادي من الفدرالي (أغسطس 2011)
تدلّنا نظرة منصفة إلى التاريخ على فساد طبع الذين يوضَعون على رأس إدارة اقتصاداتنا فيسبتدّون بها بالأمر المركزي. فمع اعترافهم بالفجوات العميقة في قدرتهم على فهم مقتضيات الأفعال التي يفعلونها على الاقتصاد الحقيقي، ما كان جوابهم إلا الاستمرار في الطريق نفسه (ولكن بطريقة أكبر)، وهم يتوقعون مع هذا نتيجة مختلفة، إنه تعريف الجنون. الآن، ونحن نواجه عواقب ردهم على الأزمة، أمامنا خيار بين نقيضين عظيمين. أ) عملة مخططة مركزية مصممة لتخسر القيمة مع الوقت، أو ب) عملة لا مركزية معروضها محدود. هذه الأخيرة لها تكاليف هي استهلاك الطاقة، ولكن النتيجة الأخيرة هي الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل.
الاستقرار الاقتصادي باستهلاك الطاقة
إن الاستقرار الاقتصادي المستقبلي هو السبب الذي يجعلني أقول إنه ما من استهلاك للطاقة أهم من حماية نظام البيتكوين المالي، لا سيما ونحن نعرف أن البدائل (العملات الحكومية والذهب) معيبة في جوهرها. إذا انتظرنا إلى أن نرى علامات التضخم المفرط، فقد خسرنا. ولكن فنزويلا ليست مجرد مثال لما يحدث عندما يصبح التضخم مفرطًا، بل هي مثال حي عن أهمية إنتاج الطاقة في المجتمع الفاعل. إن بعض المدخلات الطاقية أمر لا بد منه لكل شيء نستهلكه في حياتنا اليومية. تنسيق هذه المدخلات الطاقية معتمد على وثوقية المال الذي نستخدمه واستقراره.
تجاهل قهوتك الصباحية وفكر دقيقةً واحدة في الأساسيات: الماء العذب، المنظفات، الطعام، الدواء، والرعاية الطبية الأساسية، وغير ذلك. إن تنسيق الموارد اللازم لتقديم هذه الخدمات الأساسية معتمد على وجود نظام مالي فاعل. عندما يتعطل نظام مالي، يضمحل معه التنسيق الاجتماعي وحتى النسيج الاجتماعي. إذا كان أساس كل التجارة هو الطاقة، وإذا كنا نحتاج إلى المال لننظم التجارة، فإن أعلى وأفصل استعمال لهذه الطاقة ينبغي أن يكون لحماية النظام المالي. ضع قناع الأكسجين أوّلًا ثم انظر إلى أتباعك. احمِ أساس التجارة أوّلًا ثم ركّز على كل ما يشتقّ منها.
كل شكوى من مقدار الطاقة التي يستهلكها البيتكوين أو سوف يستهلكها، إنما هي تشتيت عن أصل الموضوع. ليس الأمر أنّ علينا التضحية بالكهرباء التي تصل إلى البيوت، بل أننا لن نجد كهرباء تصل إلى البيوت إذا لم يكن عندنا نظام مالي موثوق لتنسيق النشاطات الاقتصادية والموارد المجتمعة. عمليًّا، لن ينافس البيتكوين على مصادر الطاقة نفسها التي تدعم الوظائف الأساسية الإنتاجية والاستهلاكية لاقتصادنا (ليست مسألة مجموع صفري)، بل إن وظيفة البيتكوين من حيث هو نظام عملة ستضمن أن هذه الاحتياجات للطاقة ستبقى مشبَعة.
السيّئ، هو أن تنهار دول أكثر إلى الكارثة الاقتصادية والإنسانية التي في فنزويلا، حيث لا يمكن تقديم الرعاية الطبية الأساسية ولا الخدمات الإنسانية تقديمًا موثوقًا. وليس هذا الشرح لتقديم نظرة دراكونية أو ديستوبية للمستقبل، بل هو لتبيين أهمية النظام المالي والوظيفة الطاقية، وارتباطهما في اقتاصدات معقدة عالية التخصص.
«إذا كان يمنع حالة واحدة من التضخم المفرط كالتي في فنزويلا فهو (أي استهلاك البيتكوين للطاقة) أفضل صفقة حصلت عليها الإنسانية في التاريخ».
سيف الدين عموص, أبحاث معيار البيتكوين
يقدم البيتكوين خيارًا احتياطيًّا بديلًا عن البنية الحالية للنظام المالي الذي سيصبح قريبًا محرّكه الأساسي. وحتى إذا صرفنا النظر عن الأخطار النظامية التي تتفشى في نظامنا المالي، فإن البيتكوين نظام مالي أسلَم من الأساس. وهو محمي بإنتاج الطاقة واستهلاكها. ليس عليك أن تؤمن أن مصير الدولار هو مصير البوليفار لتفهم أهمية التفاعل بين استقرار الوظيفة المالية وإنتاج مصادر الطاقة التي توفر الضرورات الاقتصادية الأساسية. أضف أن الخطر الجوهري الموجود في مجرد احتمال التضخم المفرط سلبيٌّ جدًّا إلى درجة أنه يجعل ثمن استهلاك البيتكوين للطاقة صغيرًا نسبيًّا.
سيستهلك البيتكوين كل الموارد الطاقية اللازمة لحماية شبكته المالية، وهذا الاستهلاك مدفوعٌ جوهريًّا بالطلب المتزايد على إمساكه عملةً في المحافظ. كلما قدّر مزيد ن الناس الاستقرار طويل المدى الذي يقدّمه البيتكوين، زادت الطاقة التي سيستهلكها. في النهاية، هذا الاستهلاك سيضمن أن كل مشتقّات استهلاك الطاقة ستبقى مشبعة، لذلك ما من استهلاك للطاقة أهم من استهلاكها لحماية شبكة البيتكوين. ضع سعرًا للاستقرار المالي والحرية الاقتصادية التي يقدمها النظام المالي، وهو التبرير الحقيقي لمقدار الطاقة التي ينبغي أن تستهلَك على البيتكوين، وسوف تستهلَك. كل شيء سوى ذلك تشتيت.