المقال الأصلي | الكاتب: Muslim Bitcoiner | ترجمة: علاء أنور | مراجعة: BTCTranslator | تاريخ الكتابة: فبراير 2022
استمع للمقال
قبل الخوض في موضوع البيتكوين، من المهم استكشاف ماهية إثم الربا وكيف ترسخ في النظام النقدي العالمي الحالي. الربا عمومًا يعني الفائدة التي تؤخذ على القرض. تشمل فكرة الربا أكثر من مجرد الانتفاع من القرض مثل استبدال كميات غير متساوية من نفس نوع السلعة. للربا أنواع مختلفة، سنركز في هذا المقال على الربح من الإقراض دون أي نوع من العمل.
الربا حرام في الإسلام. يستخدم القرآن الكريم والحديث الشريف لغة قوية جداً ضد هذه الذنب الشنيع، في القرآن الكريم يقول الله تعالى:
﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾
سورة البقرة الآية (275)
وقد حذر النبي محمد ﷺ المسلمين من خطورة إثم الربا. فعن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، قال:
«لعن رسول الله ﷺ آكل الربا ومؤكله وشاهده وكاتبه»
( سنن أبي داوود 3333)
ويصف الرسول محمد ﷺ التعامل مع الربا في حديث آخر فعن أَبِي هرَيْرَةَ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«الرِّبَا سَبْعُونَ حُوبًا أَيْسَرُهَا أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ»
سنن ابن ماجة (2274)
من الواضح أن الربا إثم يجب تجنبه بأي ثمن، ويجب على المسلمين ألا يقتربوا منه بأي حال من الأحوال. ويعتبر الربا من كبائر الذنوب في الإسلام، ويمكن اعتباره على سوية واحدة هو والكبائر الأخرى كالزنا. ولو أنه عند التفكير في الحديث السابق، يمكن استنتاج أن الربا هو في الواقع أسوأ بكثير من الزنا.
على أي حال، عندما تسأل مسلمًا عاديًّا عن سبب كون الربا حرامًا، سيجيبك بشيء مثل «إنه يستغل الفقراء». لكن الربا شيء أشدّ تدميرًا بكثير من مجرد «استغلال الفقراء». تقلّل هذه العبارة من فساد الربا وإفساده، لا سيما في سياق النقد الحكومي الحديث.
من أجل فهم دور الربا في النظام النقدي الحالي، علينا أولاً أن نفحص كيف أن الربا هو الآلية الرئيسية في إنشاء العملة الورقية نفسها. دعنا نستكشف كيف تُنشأ العملات الورقية وتنتشر في نظامنا الاقتصادي العالمي الحالي.
النظام النقدي الحالي
عندما نتساءل عن كيفية إنشاء الدولارات، فإننا نفكر عادةً في «طباعة النقود». من جانب الاحتياطي الفيدرالي، لا تشكل طباعة أوراق الدولار سوى جزء صغير جدًّا من إجمالي معروض الدولار. تنشئ معظم معروض الدولار في الواقع البنوك التجارية لا البنوك المركزية. أعني بالبنوك التجارية هنا البنوك التي تفتح فيها حسابًا جاريًا أو حساب توفير. تبدأ عملية إنشاء النقد الفعلية بإقراض البنوك التجارية. عندما يصدر البنك قرضًا لعميلٍ يتطلع إلى شراء منزل أو تمويل تعليم أو عمل تجاري، فإن المال المقرَض لم يكن موجودًا قبل الإقراض. بل تخلقه عدة ضغطات على لوحة المفاتيح عند إصدار القرض. إن عملية الإقراض هي الآلية الرئيسية التي يُطبَع بها مزيد من الدولارات. وليس وراء هذه القروض أي مال مخبوء في خزانة في مكان ما.
إن في هذه الطريقة المشينة مشكلتين:
أوّلًا، تنشَأ الدولارات عمليًّا بالدين. ولكي يكون عمل الإقراض مربحًا فلا بد أن يشتمل على ربًا في مرحلة من مراحله. الربا ببساطة هو الآلية الربحية التي تزدهر بفضلها البنوك.
المشكلة الثانية تتعلق بالتضخم. كلما زادت القُروض أُدخل المزيد من الدولارات في المعروض النقدي، وهو ما يقلل قيمة الدولارات الموجودة من قبل، أو قوتها الشرائية. يلاحظ أصحاب الدولار انخفاضًا في قوة مدخراتهم الشرائية كلما أصدرت البنوك مزيدًا من القروض. في النظام النقدي الحالي لا يستيطيع الناس الادخار بالدولار لأنه لا ينفع مخزنًا للقيمة. لا بد أن يعمل الأفراد بجد أكبر ليديروا ثرواتهم باستثمارها في الأصول والأدوات المالية، لمجرد التغلب على التضخم. التضخم في النظام النقدي الحالي يضر المسلم العادي خصوصًا، لأنه يجعله أمام معضلة.
إن في التضخم المبهم للنقد الحكومي مشكلة أخرى: هي أنه يجعل الناس متهورين بنقودهم التي تنخفض قيمتها مع مرور الوقت. في المشهد الاقتصادي التضخمي، يرغب الناس في «تشغيل أموالهم» ويتجنبون التمسك بها نظرًا لانخفاض قيمتها المستمر. من طرق تشغيل المال: إقراضه وتحقيق دخل ثابت من الفائدة. يعتبر هذا المشروع «قليل الخطر» في النظام النقدي الحالي، لأن البنوك مضمون دائمًا أنها تصدر قروضًا. وهي لا تتخلف عن السداد مطلقًا، لأن وراءها من ينقذها إذا أشرفت على الانهيار. يدفع التضخم الناس إلى التخلص من نقودهم التي تخسر قيمتها للحصول على أي أداة مالية ذات ربح، حتى ولو كانت غير أخلاقية. لا يكتفي التضخم بدفع الناس إلى استهلاك الفائدة، بل ويدفعهم إلى الاستثمارات الخطيرة لمجرد أنها تدرّ ربحًا.
نعم، عند البنوك دافع لإصدار أكبر عدد ممكن من القروض، لكنها في الواقع لا تصدر القروض بتهور دون إشراف. ذلك أن الاحتياطي الفدرالي يستطيع تغيير سعر الفائدة الذي تقرض البنوك التجارية وتقترض به. من أهداف الاحتياطي الفدرالي من بيع السندات الحكومية وشرائها في «السوق المفتوحة»: تحقيق معدل الفائدة المستهدف. وبهذه الطريقة يستطيع مجلس الاحتياطي الفدرالي التأثير في نمو إجمالي المعروض النقدي وانكماشه. إن بين أسعار الفائدة والاقتراض علاقة عكسية: إذا ارتفع سعر الفائدة قل الاقتراض، وإذا انخفض زاد.
عندما ينظر المسلم إلى هذا النظام النقدي نظرة عامة، قد يروقه أن يستنتج: «حسنًا فلنتجنّب الفائدة لأنها ربا، وإن شاء الله كل شيء آخر سيصلح». لكن خفض أسعار الفائدة إلى الصفر في النظام النقدي الحالي لن يزيد الطين إلا بلة.
أود أن أطلعك على هذا السيناريو:
لنفترض أن أعضاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي قرروا النطق بالشهادتين واعتناق الإسلام. الآن، بعد أن أصبحوا مسلمين قرروا أنه لن يكون لديهم أسعار فائدة بعد الآن لأنها حرام. يعلن جيروم باول –أعني الشيخ جيروم باول– أن أسعار الفائدة ستكون من الآن فصاعدًا صفرًا. ويلغي مجلس الإدارة أسعار الفائدة، لذلك يدرك الجميع الآن أنه يمكنهم اقتراض المال بسهولة دون الحاجة إلى دفع أي فائدة. لكن تذكر أن عملية الإقراض هي الآلية التي يولّد النقد بها. في هذه الحالة إذن، ومع تزايد الاقتراض بين الناس، سيرتفع التضخم جدًّا وتهبط قوة الدولار الشرائية. سترتفع أسعار السلع والخدمات ارتفاعًا كبيرًا.
يوضح هذا السيناريو السخيف أن سعر الفائدة على الديون في نظام الأوراق المالية لا يمكن إزالته ببساطة. لقد صمم النظام النقدي الحالي على نحو لا يمكن فيه إزالة الربا من جوهر عمله. يعتقد الكثير من المسلمين أن تجنب الربا لا يقتضي إلا استخدام البنوك الإسلامي و«الصيرفة غير الربوية». لكن النظام النقدي الحالي لا يمكن فيه إزالة الفائدة لأن العملة نفسها قائمة على الدَّين. لم تستطع البنوك الإسلامية إخفاء الربا إلا باستخدام مصطلحات مالية معقدة وكلمات عربية رنانة. وقد أصبح أصحابها خبراء في ذلك، كما لاحظ ناقد شهير للبنوك الإسلامية:
«تعتمد الصيرفة الإسلامية على العقود الشرعية لإخفاء الجوهر الحقيقي لمعاملاتها وهو الربا».
Safdar Alam
كما نرى من تحليلنا، يستخدم الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة كوسيلة للتحكم في المعروض النقدي. يعتبر النظام النقدي القائم على الدَّيْن مربحًا للغاية للذين يسيطرون ويشاركون في إنتاج وإصدار الدولارات على أساس الربا. النقطة المهمة التي يجب تذكرها هنا هي أن الربا هو الآلية الأساسية التي تجعل النظام النقدي ينجح. قبل الانتقال إلى الحديث عن البيتكوين، دعنا نناقش الآثار المدمرة لهذا النظام النقدي الحديث الذي يعمل على أساس الربا.
⚡كل أسبوع أرسل لك موجز لأهم مستجدات البيتكوين، تقرأه في 5 دقائق👇
فساد الربا
يمكننا الآن أن نرى أن الربا هو البروتوكول الذي يقوم عليه النظام النقدي الحديث. دعونا إذن نستكشف تداعياته. تُدفع البنوك لإصدار أكبر قدر ممكن من القروض، والتربّح من المثقلين بالديون. كلما طالت مدة الدين على المرء، زادت فرصة تراكم الفائدة وخروج الأمر عن سيطرته. هذا السيناريو سائد في المجتمعات الحديثة، لا سيما مع صعوبة سداد الديون بعملة متضخمة قائمة على الديون كالدولار. عندما يتخلف مدين عن سداد دينه، يستولي البنك على أصوله. يستفيد المصرفيون من الربا إذ يخلقون نقودًا ورقية من لا شيء باستخدام الديون.
ومما يجعل الربا أشد تدميرًا: العمل البشري اللازم لتسديد الفائدة. عندما يصدر البنك قرضًا، وتذكر أن هذه هي الآلية الرئيسة لإنشاء النقد، يجب على المقترض تسديد سعر الفائدة مع القرض. ولكن من أين تأتي هذه النقود لدفع الفائدة؟ يمكن للمرء أن يقترض مزيدًا من المال ليدفع الفائدة، لكن هذا يجعله في دوامة من الديون. ما يحدث عادةً هو أن المقترض يعمل عملًا أكبر لجني المزيد من المال ودفع الفائدة. لا بد أن يدفع المقترض قرضه والفائدة قبل أن تتراكم عليه المستحقات. في النهاية: العمل البشري هو الذي يدفع الفائدة، أما البنك الذي يقبضها فليس عليه أن يعمل أو يخاطر أي مخاطرة. الفائدة إذن، في النظام النقدي الحكومي الحديث، هي وسيلة البنوك لجني ثمار العمل البشري دون تقديم أي تضحيات. كما كتب جورج إدوارد غريفين في كتابه المخلوق القادم من جزيرة جيكل:
«تبقى الحقيقة أن كل الفوائد تُدفَع بالجهد البشري. وأهمية هذه الحقيقة لا تنتهي عند افتراض عدم إنشاء ما يكفي من الأموال لتسديد الفائدة. ذلك أن كل هذا الجهد البشري في نهاية المطاف يصب في صالح الذين يصنعون النقد الحكومي، وفي صالح الطبقة الحاكمة من نبلاء المال، التي تعمل عندها الغالبية العظمى من المجتمع، خدمًا بالسخرة».
حتى الآن نظرنا فقط في فساد الربا على نطاق الاقتصاد الجزئي. فلنلق الآن نظرة على العواقب على مستوى أكثر شمولية. بموجب نظام النقد الحكومي القائم على الربا، يجب على الشركات الاحتفاظ بنسبة معينة من الديون في ميزانيتها العمومية. والحقيقة هي أن التمسك بالنقد بدلاً من الديون يصبح في الواقع ثقلاً بمرور الوقت بسبب انخفاض قيمته باستمرار.
إذن القرار الأكثر ربحاً هو أن تتمسك الشركة بكمية جيدة من الديون، وتستخدم هذا الدين لتمويل الشركة وتوسيعها. ومع ذلك فإن سحر الربا يسمح لنا بجعل هذا الدين أكثر ربحًا.
كلما كانت الشركة أكبر كان من الأسهل الحصول على قروض بأسعار فائدة منخفضة. ماذا لو استطاعت الشركة إقراض عملائها بسعر فائدة أعلى، أو منحهم “صفقة” على منتجاتها؟ وماذا لو استطاعت الشركة إصدار بطاقات ائتمانية خاصة لعملائها الأوفياء؟ ربما يبدو الأمر مألوفاً، حيث أن معظم الشركات الكبيرة في جميع أنواع الصناعات تقدم خطوط ائتمان. ليس هذا مصادفة أو خطأ في الرأسمالية كما يقول الاشتراكيون قصيرو النظر عندما يلقون اللوم عليها في ذلك. في النظام النقدي القائم على الربا، فإن أكثر الأعمال ربحية هي التي يمكنها نقل ديون أكثر بأسعار فائدة أعلى من معدلات الاقتراض. يشرح ‘سيف الدين عموص‘ هذا بشكل جميل في كتابه الأخير ‘معيار النقد الحكومي‘:
في ظل معيار النقد الحكومي، يتدهور كل نموذج عمل تجاري ليصبح مراجحة بين أسعار الفائدة. يقل الاهتمام بالربح عبر تقديم خدمات نافعة للعملاء ، ويصبح الأهم هو إنشاء علاقات دائن ومدين معهم. أهم ميزة تنافسية لشركة في السوق هي قدرتها على تأمين الديون بسعر فائدة أقل. تعيش الشركات وتموت بحسب قدرتها على مراجحة الديون بشكل صحي».
لم يعد من الضروري للشركات أن تنتج شيئًا ذا قيمة. فمثل البنوك الإسلامية، تحتاج فقط إيجاد طرق جديدة لنقل الديون إلى عملائها بسعر فائدة أعلى من المعدل الذي اقترضت به في البداية.
ومن آثار الربا المدمرة –لكن الخفية– كيفية تأثيره في الطلب في السوق. في السوق الحرة العادية يجب على الناس العمل وإنتاج شيء ذي قيمة قبل أن يتمكنوا من شراء وبيع الأشياء في السوق. إذا لم تتمكن من إنتاج أي شيء ذي قيمة، فلا يمكن أن تكون مشاركًا في السوق. إلا إذا كنت تعتمد على الآخرين مثل العائلة والأصدقاء للحصول على المساعدة.
فإذا أُدخل الدين في النظام، خلق طلبًا مفتعلًا مع دخول عملاء جدد إلى السوق. هذا الطلب المفتعل يرفع الأسعار لا بسبب زيادة الطلب الحقيقي على المنتجات، لكن لأن المشاركين في السوق يستطيعون اليوم شراء أشياء بأموال لا يملكونها. وارتفاع الأسعار هذا يصعّب الحصول على المنتجات نفسها التي كانت أرخص في السابق. لا تنس أن الأجور لم تتغير. لم ترتفع الأجور مع ارتفاع الأسعار، بل بقيت على حالها. إن هذا الوضع يزيد من احتمال تورط الناس في أنشطة إجرامية ليحصلوا على سلعهم، أو اخذهم لمزيد من الديون ليستطيعوا المشاركة في السوق. لا عجب إذن، أن أنجَح الناس في السوق القائم على الدين هم المجرمون (المصرفيون) الذين يتربحون من الفائدة عبر إصدار الديون.
الآن دعونا ننظر أيضًا في انتشار الربا وعواقبه على المستوى العالمي. من نقاشنا السابق قد يبدو أن الاحتياطي الفيدرالي يعمل فقط في الولايات المتحدة ويؤثر فقط على المواطنين الأمريكيين، ولكن هذا للأسف غير صحيح. هناك منظمات دولية متخصصة في نشر الربا في جميع أنحاء العالم. تتكون هذه الشبكة بشكل أساسي من بنك مركزي عالمي يسمى صندوق النقد الدولي (IMF) والبنك الدولي، هذه ليست نظرية مؤامرة. حرفيا من الجملة الأولى على صفحة ويكيبيديا للبنك الدولي تقرأ: «..مؤسسة مالية دولية تقدم القروض والمنح لحكومات البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل…». هناك مؤسسات مصرفية عالمية أخرى مثل بنك التسويات الدولية (BIS) وغيره، لن نتحدث عنها في هذا المقال.
من أين يحصل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على تمويلهما؟ لا بد أن ننظر أولًا في نشأة هذه المنظمات. تأسس صندوق النقد الدولي والبنك الدولي نتيجة مباشرة لاتفاقية بريتون وودز في عام 1944م. كانت هذه الاتفاقية بالمصادفة الاتفاقية التي ربطت جميع العملات العالمية بالدولار. لتبسيط الأمر فإن الغرض من صندوق النقد الدولي هو العمل كبنك مركزي للعالم. وهو يعمل بطريقة مماثلة للاحتياطي الفيدرالي لكن على نطاق أوسع. يحصل صندوق النقد الدولي على تمويل من الدول على أساس «نظام الحصص»، ويستطيع أن يخلق الأموال والقروض من لا شيء. يُطلق على هذه القروض اسم حقوق السحب الخاصة (SDRs)*.
يستهدف صندوق النقد الدولي في المقام الأول بلدان العالم الثالث. التي يستطيع إصدار حقوق السحب الخاصة لها تحت مسمى «الحد من الفقر» وغيره من المُثل الإنسانية. تأتي هذه القروض مع فوائد، ويعول صندوق النقد الدولي على عدم قدرة هذه البلدان على سدادها. يؤدي هذا إلى السيناريو المروّع الذي أصبحت فيه العديد من دول العالم الثالث التي كانت مفلسة في البداية، مفلسة ومدينة في نفس الوقت في ظل غياب وسيلة لسداد الديون أو الفوائد. وكما هو متوقع يهب صندوق النقد «ليساعد» هذه البلدان العاجزة عن السداد على إعادة هيكلة ديونها حتى تتمكن من مواكبة مدفوعات الفائدة دون هدف واضح لسداد الديون بالكامل. إذا أفلست دولة، تُباع أصولها ومواردها الطبيعية بالمزاد للشركات الكبرى والمؤسسات الدولية الأخرى.
إن تفاصيل كيفية إدارة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لاقتصادات البلدان الفقيرة خارج نطاق هذا المقال. إذا أراد القارئ معرفة المزيد، فإن نقطة البداية الممتازة هي حلقة البث الصوتي التي نُشرت مؤخراً وفيها يتحدث ‘بريستون بيش‘ و‘سام كالاهان‘ عن كيفية إغراق صندوق النقد الدولي بلدان العالم الثالث بالديون والربا.
النقطة المهمة هنا هي أن هناك شبكة مالية دولية تسعى للربح وامتصاص ثمار الجهد البشري. لم يكن هذا ليكون ممكنًا لولا الربا، فهو المكون الأساسي الذي يجعل إصدار الديون عملًا مربحًا.
عندما يتسلح المرء بمعرفة كيف يؤذي الربا المجتمع ويهينه، يبقى السؤال: إلى ماذا يؤدي الربا في النهاية؟ من الصعب معرفة النتيجة النهائية على وجه اليقين، ولكن ليس من الصعب تخيلها. عندما نرى فئة من المصرفيين النخبة تخلق وتتحكم في ديون العالم دون عناء، فمن المنطقي وجود فئة عبيد لتحافظ على النظام الفاسد. الله أعلم، لكنني أعتقد أن النتيجة النهائية لنظام الربا هي استعباد الإنسانية تمامًا بتجريدها من حقوقها وممتلكاتها وتعبيدها لهذه النخبة. يحتاج المرء فقط إلى إلقاء نظرة على ما يروج له المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF): «لن تملك شيئًا، وستكون سعيدًا».
البيتكوين: تقنية مضادة للربا
الآن يمكننا أخيرًا مناقشة البيتكوين. ليس من الواضح مباشرة كيف أن البيتكوين تقنية مضادة للربا دون مناقشة الأضرار والأعمال الداخلية للربا في النظام النقدي الحالي. يجب أن يكون واضحًا الآن أن الربا مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنقد، وما من طريقة ممكنة لعزل النظام النقدي الحالي عن الربا.
لا بد أولًا أن نعرف الخصائص الإيجابية للبيتكوين لنفهم كيفية مناهضته للربا. من هذه الخصائص: سقف العرض البالغ 21 مليونًا، الذي يمنع زيادة العرض بإصدار الديون، كما يجري اليوم في النقد الحكومي. لا يمكن استصدار بيتكوينات جديدة إلا بتعدينها، الذي يتطلب استهلاك طاقة حقيقية. لا يستطيع أحد تغيير بروتوكول البيتكوين أو مدخلاته، كما تغير البنوك مدخلاتها لتمنح نفسها مزيدًا من المال.
في شبكة البيتكوين آلاف العقد التي يستطيع أي امرئ تشغيلها لفرض قواعد الإجماع والتأكد من عدم الغش في النظام. العقدة هي ببساطة برنامج يتحقق من صحة جميع المعاملات التي تمت على شبكة البيتكوين. يستطيع أي فرد تشغيل عقدة على حاسوبه والمشاركة في الشبكة. فكر في آثار ذلك عند مقارنته بالنقد الحكومي. في نظامنا النقدي الحالي ما من طريقة تمكن الإنسان العادي من التحقق من التزام البنوك بأي قواعد أو من المشاركة في اصدار النقد. في النقد الحكومي: لا بد أن تستأذن حتى تشارك، أما في البيتكوين، فلا حاجة لك إلى أي إذن. البيتكوين خالٍ من الثقة، يستطيع أي امرئ تنزيل الكود المصدري وتشغيله.
أما إصداره المجدوَل، فإن كل كتلة تعدَّن تنتج حاليًا 6.25 بيتكوين. وهذا يحدث تقريبًا كل 10 دقائق. يتنافس المعدنون للحصول على جزء من هذه المكافأة، عندما يتم تعدين 210000 كتلة، أي كل 4 سنوات تقريبًا، تنصَّف المكافأة. لذا سيحدث «التنصيف» التالي في عام 2024م حين ستتغير مكافأة تعدين الكتلة التالية من 6.25 إلى 3.125 بيتكوين. سيؤدي اتباع هذا الجدول إلى تعدين كل البيتكوين بحلول عام 2140م والوصول إلى الحد الأقصى للعرض وهو 21 مليون بيتكوين.
سيساعدنا فهم العرض الثابت للبيتكوين ومتطلباته الطاقية، ونموه المتوقع في فهم النقطة التالية، وهي أن البيتكوين يستطيع خفض أسعار الفائدة إلى الصفر.
نظرًا للعرض الثابت النهائي من البيتكوين، يمكننا توقع زيادة قيمة كل حبة مع انضمام المزيد والمزيد من الناس إلى الشبكة. لا يمكن طباعة المزيد من البيتكوين نتيجة لزيادة الطلب على استخدامها، وإن شاء الله بمجرد أن يتبنى العالم معيار البيتكوين، يمكننا أن نتوقع زيادة قيمة البيتكوين لتتناسب مع إنتاجية العالم. لنقل 2 إلى 5٪ سنويًّا. بوجود عملة مُتوقع ارتفاع قيمتها، سيميل الناس إلى الاحتفاظ بأموالهم واستخدامها في أغراضها الأصلية، وهي تخزين القيمة والحفاظ عليها.
هنا يصبح الأمر مثيرًا للاهتمام. إذا كان الأرجح أن يحتفظ الناس ببيتكويناتهم، فإن هذا سيقلل من إغراء إقراضها من أجل فائدة ضئيلة. في ظل النظام النقدي السليم، الذي نتوقع فيه أن ترتفع قيمة البيتكوين عامًا بعد عام، لم قد يقرض أي أحد أمواله لغريب مصرفي؟ إن في هذا الإقراض فائدة ضئيلة ومخاطرة كبيرة هي خسارة المال نفسه في حال تخلّف المقترض؟. تذكر، لا تستطيع البنوك خلق المزيد من البيتكوين إذا لم تستطع سداد ديونها. لذلك فالأقرب إلى العقل الاحتفاظ بالبيتكوين ما دامت قيمته تزداد بفضل العرض الثابت.
ما يحدث على الأرجح هو أن الإقراض سيستمر، ولكن فقط مع العائلة والأصدقاء لا مع الغرباء. إن مستوى معينًا من الثقة سيكون مطلوبًا قبل أن يغادر المقترض ومعه البيتكوين. وحتى إذا حدث إقراض، فمن المرجح أن يكون بمعدل فائدة 0٪ لأنه سيظل ذا عائد إيجابي بسبب ارتفاع قيمة البيتكوين. من المرجح أن يستخدم الإقراض لتنمية الأعمال التجارية لكسب ربح أو بناء عقار لتحقيق دخل، لا لمجرد كسب الفائدة. هذا النموذج الاقتصادي لتقاسم الأرباح والخسائر هو بالضبط ما تحاول الصيرفة الإسلامية الترويج له. يجعل البيتكوين بخصائصه الفريدة هذا النموذج ممكنًا ويسهل تحقيقه.
ثم يسأل أحدهم: هل ستظل الخدمات المصرفية أو المصرفية الإسلامية موجودة بموجب معيار البيتكوين؟ الراجح في رأيي أن تظل البنوك موجودة، لكنها لن تكون قادرة على الانخراط في تجارة الربح من الربا. في البيتكوين لا يمكن للبنك إصدار الديون لخلق المزيد من البيتكوين. لذلك ستحتاج البنوك في الواقع إلى تقديم خدمة قيمة لكي تبقى. قد تقدم البنوك خدمة إدارة البيتكوين وتخزينه، ولكن هذا على الأرجح لن يكون مربحًا لعجزهم عن استخدام الربا بشكل فعال. تستطيع البنوك أيضًا تسهيل اجتماع المستثمرين ورجال الأعمال لبدء المشاريع التجارية. ولكن مهما كانت الأنشطة التي تعمل فيها البنوك، فلا بد أن تقدم شيئًا ذا قيمة للمجتمع. ليس للمصرفيين بعد الآن أن يقطنوا أبراجهم العاجية ويسرقوا أعمال الآخرين بالربا، كما كانوا يفعلون في نظام برهان الديون لإصدار النقد الحكومي.
بعد قولي هذا، نعم ، لا يزال بإمكان الأفراد الانخراط في الربا إذا اختاروا ذلك. يمكن للفرد الاشتراك في قرض ربوي باستخدام البيتكوين. الفارق الكبير هو أنه يشترك في الربا في نظام مغلق ليس له أي تأثير مباشر على المستخدمين والمالكين الحاليين.
في معيار البيتكوين، ليس على المسلمين أن يديروا محافظهم الاستثمارية كل يوم للتأكد من أن ثروتهم حلال. يتمتع المسلمون الآن بخيار الادخار والتعامل بالبيتكوين دون الانغماس في الربا. قد يبدو كأنه حلم، لكنه أصبح حقيقة الآن. عندما تبدأ العملات التضخمية القائمة على الربا انهيارها، سيحتاج العالم الإسلامي إلى الهجرة المالية إلى نظام نقدي مختلف. هل سيكون هذا النظام دولار ربوي على شكل عملة رقمية من البنك المركزي، أم سيكون التكنولوجيا المضادة للربا وهي البيتكوين؟ يجب أن تكون الإجابة واضحة، إذا كنت مسلمًا وتبحث بصدق عن طريقة للخروج من الربا، فيجب أن يكون البيتكوين جزءًا من حلك. يمكن للمسلمين أن يبدؤوا في التحول الآن من بترك عملاتهم الربوية والبدء في تجميع البيتكوين المناهض للربا.
*حقوق السحب الخاصة: هي أصل احتياطي دولي بفائدة أنشأه صندوق النقد الدولي عام 1969 لتكملة الأصول الاحتياطية للبلدان الأعضاء. تعتمد حقوق السحب الخاصة على سلة من العملات الدولية التي تضم الدولار الأمريكي والين الياباني واليورو والجنيه الإسترليني والرنمينبي الصيني.
Article photo by Fahrul Azmi