تقنية

السيادية الجزء الأول: الدمار الرقمي الخلّاق

المقالة الأصلية | المؤلف: Robert Breedlove | ترجمة: The BTC Translator

الدمار الرقمي الخلّاق

إن تطور التقانة أسرع من قدرتنا على فهم مقتضياتها

كِنْ غولدشتاين

 

الدولتيّة (أو الدولجية) أسلوب تنظيمٍ اجتماعي اقتصادي نشأ في العصر الصناعي، يشمل كل تطبيقات الدولة للرأسمالية والشيوعية والفاشيّة، وكل الأنظمة الدولتية الأخرى، ولكنه لا يدل على هذه الأدلوجات دلالة صافية. صعدت تطبيقات الدولتية في القرن العشرين، عندما كان أسلوب التنظيم الممكن الوحيد هو الحُكم من عَلُ (top-down) حكم الدولة القومية المركزية المسيطرة. وكما سقطت الإقطاعية أمام الصحافة المطبوعة، سقطت الدولتية أمام واحدة من أهم الوقائع التقانية في عصرها. لقد افترس الترقيم في قرننا هذا كل مشروع تقاني مرجوح الفعالية: من الإعلام والمواعدة، إلى الإعلان والسفر. فإذا سحبنا الكلام على الحكم، وجدنا أنّ الأدوات الرقمية تنسَخ الدوَل القوميّة بتمكين الأفراد تمكينات جديدة وعميقة.

كل الدول مشكّلة بالتقانة. إن الوجود الإنساني في دأبٍ مستمرٍّ إلى أنواعٍ أحفَظ للطاقة من تنظيم النفس، لإبقاء الإنتاجية محرَّرة بتقسيم العمل، وتقليل النفقات اللازمة للأمان قدر المستطاع. هذا هو هدف المجتمع. بتقسيم العمل تقسيمًا أعمق وأعمق، ينمو كنز المعرفة الإنساني العالمي أغنى وأغنى، ليعلّم البشر إنشاء أدوات وأنظمة أفضل. مع تحقيق الإنسان أساليب أوسعَ في لامركزيتها لحماية الأملاك والأشخاص، نشأت دول جديدة: لقد مرّ العالم بتقدّم طويل من طغيان مصر القديمة إلى الديمقراطيات التمثيلية في الحضارة الغربية. وفي تعاقب هذه «التغيرات الطورية» الاقتصادية الاجتماعية، تتحرّر مقادير كُبّارة من الطاقة الإبداعية وتتمثّل في الإنتاجية والأرباح وتجمّع رؤوس الأموال. إن تنظيم المجتمعات على نحوٍ مستمثَلٍ للاختيار الفردي هو أفضل أساليب التنظيم الاقتصادي والاجتماعي حفظًا للطاقة. غلبت الرأسماليةُ الشيوعيّة (ودمّرت الاتحاد السوفييتي بطريقها)، لهذا السبب: لأن الأدوار المختارة طوعًا (الأسواق الحرة)، لا تستلزم تكاليف أمان وحفظ كالتي تستلزمها أنظمة الأدوار الإكراهية (الأسواق غير الحرة).

إن انتصار الرأسمالية على الشيوعية هو «التدمير الإبداعي» الذي ذكره شومبيتر، الذي يُبطل فيه الإبداع الأدوات والأنظمة الأقدم والأقل طاقة، ويحرر طاقةً يمكن استهلاكها في مساعي أخرى. تنشأ صبيحةَ هذه العمليّة المدمّرة والخلّاقة، عوائد اقتصادية ضخمة. تأمّل مَثَلًا، أنه قد احتيج لبناء هرم الجيزة الأعظم 84 ضِعْفًا لعدد الساعات البشرية التي احتيجت لبناء برج خليفة ناطح السحاب في دبي، ومع ذلك فإنّ البرج يبلغ 830 مترًا، أي 7 أضعاف طول الهرم العتيق، بفضل التخصص المعرفي الموجود في عصرنا الحديث. وكان بناء برج خليفة شهادةً مذهلةً للرأسمالية الحديثة (وإن كانت مهمّشة)، إذ بني على نحو أفعَل بأضعاف من هرم الجيزة الأعظم (498 ضعفًا من الطول في ساعة العمل الواحدة).

تغْلِبُ الأنظمةُ الاقتصادية التي تحفظ الإنتاجية بحماية تقاسم العمل.

الرأسماليّة، من حيث هي نظام اجتماعي اقتصادي، أذكى في توزيعها للطاقة من الشيوعية. يبلغ الرفاه المنظَّم ذروته عندما تُقَدَّم السيادة الفردية. أحسنت الرأسمالية في هذا الأمر، ولكن تدخل الدولة في المجالات المالية والقانونية كبحها. أما السيادية، وهي فلسفة أعمقُ تجذّرًا في مبادئ السوق الحرة، فتعدُ بأنها ستكون موزّعًا لا ندّ له للطاقة، في سعي لإشباعٍ أكبر للرغبات الإنسانية. 

الطاقة هي الحقيقة

إذا أردت أن تجد أسرار الكون، ففكّر بمصطلحات التردد والاهتزاز والطاقة

نيكولا تسلا

 

إن تسخير الطاقة لتصبح منتجة لنفسها هو هدف كل الحياة. في الأنظمة المقيّدة بشدّة، أفضل تحويل للطاقة هو تحويلها إلى عمل ميكانيكي. في الأنظمة الفيزيائية، هذه القيود هي الجزيء، في الأنظمة الاقتصادية، هي الملكيّة. وكلّما قويت القيود، زادت فعالية الطاقة. تحدد اعتبارات فعالية الطاقة الأدوات والأنظمة التي يخلقها الإنسان لنفسه. إن من شأن المنافسة السوقية الحرة أن تختار الأنظمة المتينة ثرموديناميكيًّا، أي الأنظمة التي تستمثل استعمال الطاقة النادرة مطلقًا. تترجَم القيود الأقوى إلى سعة استطاعة أعلى: أي إلى زيادة القدرة على حفظ الطاقة مع مرور الوقت من دون تبديد. في كونٍ تنافس فيه الحياة كل يوم على حصتها من الطاقة المحدودة، التبذير مدمّر. ولمّا كانت الطاقة هي أدقّ تصوير للواقع، كانت الطاقة هي الحقيقة. فتحويل الطاقة إذن، هو حفظ للحقيقة، وهو مفتاح النجاح في الظروف التنافسية للكائنات الحية والمنظمات.

التجارة والمال ركنان من أركان التنظيم الاجتماعي الاقتصادي. يتقايض الناس طاقاتهم لينتجوا ثمرات عملهم. المال هو الوسيط الذي يتقايض به الناس الطاقة. وأفضل المال هو المال الذي تضاهئ ندرته ندرة الطاقة اللازمة لإنتاج ثمرة العمل التي تجعله مستحقًّا. فإذا أصبح هذا المال (الأفضل) نظام تشغيل الطبقة الأساسية للتعاون الإنساني، جرّ مقتضيات عميقة على الأنظمة الاجتماعية الاقتصادية التي تقوم عليه. إنّ مالًا كهذا لا بدّ أن يكون أصمَّ عن المكايد السياسية والفعائل الإجرامية، كما أن الواقع الثرموديناميكي للندرة الطاقية المطلقة الذي يحميه أصمّ عنها. فإذا أوقف الإنسان تخصيص طاقة لـ«إدارة» المعروض المالي (أو بالأحرى، التنازع على السلطة لإدارته)، تحرّرت طاقاته لإنشاء بنى سياسية اقتصادية أمتن على أساس مال لا يتغير ولا يتزعزع.

الحرب استمرارٌ للسياسة لكن بوسائل أخرى

كلوسوِتْز

 

يؤسس المال السليم ثرموديناميكيًّا «منطقة محايدة» لا يهم فيها إلا كَم يشارك المرء في إنتاجية المجتمع. لن يعود للرتبة العسكرية، ولا الانتماء السياسي، ولا القرب من آلة الطباعة، دورٌ في تحديد مكان المرء في هرم الثروة العالمي. فإذا وُهب المجتمع مصدرًا للحقيقة التي لا شك فيها، التي يستطيع أن ينظم نفسه حولها، ستُزال دوافع كثير من العنف في العالم وتشحّ موارده. عندما لا تُلوى القوانين، ولا يمكن مصادرة المال بسهولة بالإجراءات السياسية، يصبح السعي في التعاون السلمي هو الخطة الأكثر إنتاجية. يُوهن المال الثابت السياسة واستمرارها الذي ذكره كلوسوتز: الحرب.

صعود السيادية

كل حقوق الإنسان يمكن اختصارها بحق واحد: الاختيار.

 

ولعلّك عرفت الآن، أن هذا المال المثالي السليم ثرموديناميكيًّا والمحايد سياسيًّا، هو البيتكوين. البيتكوين، ابن الاثني عشر عامًا المشاغب على واحدة من أقدم وأهم الأدوات في العالم، هي الذهب، كان تحرّكًا تكتونيًّا في التنظيم الإنساني. الذهب، ومنذ 5 آلاف عام، هو نظام التشغيل المالي للطبقة الأساسية التي قامت عليها كل الأنظمة الحديثة للحكم الإنساني: وهي أنظمة السيادة القديمة التي أفسدتها المصرفية المركزية. كسر البتكوين الخناق المفروض على المال حين شاغَبه في الطبقة الأساسية، وفرض بذلك تجديد كل الأنظمة الاجتماعية الاقتصادية المشتقة من المال، وهو ما يشمل حكم القانون، وحقوق الملكية الخاصة، وعدة أشكال مؤسسية. لا يعرف أحد كيف سيتمثّل هذا الانتقال السياسي الأعظم، ولكنه سيكون صعودًا جوهريًّا، من تحتُ (bottom-up)، لأن السيطرة من علُ (top-down) على نظام السيادة هذا، المختلف اختلافًا نموذجيًّا، أمرٌ غير موجود أصلا. ولأقولها بوضوح: البيتكوين هو الابتكار المالي الخطير الذي أتاح نوعًا جديدًا من التنظيم الاجتماعي من دون الحاجة إلى الدولة القومية، وهو شكل «مُنَقًّى» من الرأسمالية، حُرٌّ من تدخل الدولة القومية، مستحقٌّ لكلمة جديدة خاصّة دالّة عليه. فلنسمّ هذا النمط من التنظيم الاجتماعي الاقتصادي الذي أتاحه المال المشفر الرقمي السيادية.

ينشر البيتكوين الطاقة في ثورة في التنظيم الاجتماعي الاقتصادي تُعرَف بالسيادية.

ولنسكتشف مقتضيات السيادية، فلنبدأ بمبدأ الاقتصاد الاجتماعي الأول الذي لا ينتفي: لا بد للإنسان أن يفعل. كل فعل محتاجٌ إلى طاقة، ودالٌّ على هدف، لأن كل القرارات الواعية فيها محاولة تحقيق هدفٍ ما. إن أهداف الإنسان دومًا تدور على تخفيف القلق (الذي يسميه اقتصاديّو المذهب النمساوي «إشباع الرغبة» أو «تقليل الارتباك»). الإنسان هو النوع المسيطر على الأرض لأنه يستعمل التقانات والأساليب التنظيمية ليمرّر الطاقة عبر الزمكان بذكاءٍ أعلى، وساعيًا إلى أهدافٍ أعمق، من أي حيوان آخر. إن أهدافنا العليا تتطلب تمريرًا للطاقة على مستويات زمكانية أكبر، بإتقان أكبر، ودقّة أعظم. وإذا استعملنا التقنيات والأنظمة الاجتماعية الاقتصادية استعمالًا صالحًا، ساعدتْنا على تخفيف قلقنا أكثر. تضخّم الأدوات قوة جهودنا العملية، فتزيد نسبة المنتجات إلى الطاقة المستهلكة. تجعلنا أنظمة التنظيم الاجتماعي الاقتصادي — كالرأسمالية والاشتراكية، والسيادية الآن — ننخرط في عمل منَسَّق ليزيد منتجاتنا الجمعية بتركيز الانتباه الفردي على مراحل الإنتاج دقيقة التي تزداد دقّة (إذ تزداد الإنتاجية بتقسيم العمل). بهذا المعنى، فالأدوات تنظيمات، والتنظيمات أدوات، وكلاهما مفيد لتعزيز الهدف الجامع للحياة البشرية، وهو الفعل الهادف إلى تخفيف القلق. تغلِب الأدوات والتنظيمات الأصلَح لحفظ الطاقة مع الوقت.

الأدوات والتنظيمات كلاهما أدوات لتمرير الطاقة بذكاء أكبر عبر الزمكان. إن السد الكهربائي المائي (أو الكهرمائي) والدولة القومية مشتركان في هذا: كلاهما خزّانات وموزّعات طاقية مصممة بذكاء، فالسد يمرر الطاقة الهيدروليكية للماء والدولة القومية تمرر الطاقة التحويلية والسياسية والإنتاجية للشعوب. كلاهما، على الأقل مؤقتًا، يكرّس الطاقة ويمرر الهجوم الإنتروبي للطبيعة (البيئية والإنسانية). لكن في النهاية، كلاهما يعطينا طريقة لإلغاء النزعات المركزية في الطبيعة التي يسعيان إلى احتوائها، فالماء دومًا يتدفق إلى المنخفضات والناس دومًا ينظمون أنفسهم بالطرائق الأفضل لمصالحهم الاقتصادية.

إن أدوات توزيع القوة بعيدًا عن السيطرة المؤسسية من الأعلى، هي تنظيمات رقمية مفتوحة المصدر، كالتنظيمات التي تشكل طبقات بروتوكول الإنترنت العديدة. ويكيليكس، والربيع العربي، واحتجاجات جورج فلويد، هي بعض الأمثلة التي تبيّن أن الإنترنت تهديد كبير على بنى القوة المركزية. ليست هذه الحركات المجتمعية إلا هزّات سابقة لانهيار الدولة القومية القادم. لمّا كان البيتكوين هو المال الرقمي غير الحكومي الوحيد، كانَ هو طبقة القيمة في الإنترنت، وأول منافس لنظام السيادة الذي قدمه الذهب تاريخيًّا.

البيتكوين هو الطبقة المالية لمجموعة بروتوكول الإنترنت، ونظام السيادة المنافس للذهب. حقوق الصورة لـ: @anilsaidso

والبيتكوين هو أول تنظيم رقمي ذاتي الحكم، لأنه امتداد لبيئة الإنترنت التي تنظم نفسها. هذه الأشكال التنظيمية هي أحدث الطرائق لمواءمة إرادة الفرد والجماعة. إن منظمة رقمية ذاتية الحكم كالبيتكوين، تحكم نفسها وتستطيع مفارقة المختلفين سياسيًّا الذين يهددون التماسك التنظيمي (انظر انقسام بيتكوين كاش).  يتغلب البيتكوين على التنظيم الإكراهي التماثلي مغلق المصدر للدول القومية، لأنه نظام أقدر على التلاؤم، وأسيَل، ولأنه نظام طوعي لتوزيع الطاقة الاجتماعية الاقتصادية في الزمكان.

البيتكوين

البيتكوين نظام سيادة لا نزاع فيه يصالح بين المقايضات الفردية التي تجري في الجماعة الاجتماعية الاقتصادية. يتحاشى البيتكوين الحاجة إلى الدول القومية، وهو في لاأدرية كاملة بشأن أنظمة القانون والنظام الإنسانية التي احتضنته في سنينه الأولى. يسخّر البيتكوين الطاقة الإنسانية ليوسع شبكته، إذا يزيد قوة الطبيعة الإنسانية والدوافع الإنسانية متخذًا منهما عنصرين لا نزاع فيهما لإعمال الشبكة. والبيتكوين نظام مستصغَر الخسارة، لتخزين ثمار العمل وإرسالها، يولّد عرضه الثابت طلبَه بنفسه (محقّقًا قانون ساي) مع تزايد الثروات التي نهبها التضخم. وهذا هو سبب انتهاء الجميع إلى جدول رواتب البيتكوين. الآن تنشأ طبقة جديدة من المواطنين العالميين: سكّان يتعالى أثرهم وصوتهم ومالهم تمامًا على الجغرافيا وسلطاتها المحلية المتنوعة. إن صعود السيادية يُنهي أمر الإكراه أخيرًا من الحضارة.

حكم السوق الحرة

ستُخرب المعالجة الدقيقة الدولة القومية وتدمرها

سيادة الفرد

 

تنجح السيادية بتقليص العوائد الاقتصادية التي ارتبطت سابقًا بالعنف والإكراه. سيطالب المواطنون بقانون تعاقدي وتأمينات على أملاكهم تضاهي التأمين الذي يقدمه البيتكوين، وإلا فلن يدفعوا شيئًا من مالهم. كما أن استدعاء سائق غريب ليوصلك وحدك في سيارته كان أمرًا مجنونا قبل 25 سنة، كذلك ستستمر التقانة الرقمية في تغييرها لطبيعة الثقة والتعامل البشري. ولكن، إذا أصبح المال رقميًّا، فالمقتضيات أكبر بكثير. ومن الآن بدأ الناس يستكشفون قدرات التوقيعات المتعددة للبيتكوين وسيلةً لتسهيل الحكم في العقود الخاصة بعيدًا عن محاكم الدولة. وفي الإمكان أن ينمو هذا الأمر فيصبح بديلًا لا مركزيًّا لنظام العدالة التقليدي. لأن المال لا يمكن بعد الآن مراقبته أو سرقته، فإن البنى الاجتماعية الاقتصادية القائمة فوق نظام تشغيل الطبقة الأساسية هذا ستزيد التشفير وتسعى إلى مقاومة مكافئة للرقابة.

ولكن، ككل الولادات، هذا الانتقال إلى الحالة اللامركزية للحضارة معدومة المثيل، لا بد أن يكون مشتتًا. عندما تتراجع العوائد الاقتصادية لتنظيم العنف على مستوى كبير، تتقلص نماذج العمل القائمة على الحماية من العنف (الحكومات والدول القومية) بالضرورة، وتصبح محلّية أكثر. هذه الأرجحة العكسية لبندول الاقتصاد الأكبر تعني أن العنف سيصبح على نطاق أصغر، وعشوائيًّا أكثر: كما كان الأمر في عصر الصيّادين الجمّاعين (الذي كان عصرًا لامركزيًّا حقًّا). السيادية، مثلها مثل الحميات القديمة، واليوغا، والتأمل، والطب الأيوردفي، والإنثوجينات، والبيتكوين نفسه (وهو مال المذهب الاقتصادي النمساوي)، ليست إلا مثالًا آخر على تجدد الأساليب القديمة في الزمن الرقمي.

الحميات القديمة، واليوغا، والتأمل، والطب الأيوردفي، والإنثوجينات، وحتى المذهب الاقتصادي النمساوي (البيتكوين)، كلها أساليب قديمة شهدت صحوة في العصر الرقمي.

كما غلبت الرأسمالية الشيوعية، ستغلب السيادية الدولتية بكل أشكالها. بتمكين الحرية الفردية بطرائق جديدة جذريًّا، ستولّد المجتمعات التي تعتنق المبادئ التنظيمية المتسقة مع السيادية (كالخصخصة الصناعية الواسعة، ونزع الطبقة البيروقراطية، والضرائب بالتراضي، والبتكوين، وغير ذلك) ثروة أكثر من اقتصادات الأمر والسيطرة التي تعتنقها الدول القومية الصارمة، وهذا سيجذب مزيدًا من المواطنين. كلما زاد عدد القضاءات المتنافسة، قلّ قبول الإسراف البيروقراطي. فإذا أفاق الناس على هذه الحقيقة، اضمحلّ الإدمان الحديث للسياسة ليصبح طَلَلًا من زمن بائد.

خلافًا لمفاهيم العصر الحديث الخاطئة, الاقتصاد يقود السياسة; السياسة لا تقود الاقتصاد. لا يستطيع قلم المشرّع أن ينتج ثروة، لا يستطيع إلا أن يوزع ثروة. مع انتفاخ البيروقراطيات السياسية إلى أن أصبحت غير محتمَلة من جهة اقتصاداتها المنتجة التي تقوم عليها، سيؤدي اليأس إلى انفجار توسّع الحكومة، فيجبر الفاعلين في السوق على حماية ثروتهم بأي طريقة يستطيعون. وفي القرن الواحد والعشرين، لن تجد رؤوس الأموال خزانةً أمنَع من الخزانة الرقمية. مع هروب رؤوس الأموال إلى المجال الرقمي للتخلص من الضرائب المتزايدة والتضخم، تهبط عوائد الحكومة بسرعة، فتتشتت ثم تفشل. نتيجة هذا، يرجح أن ينمو العنف المنظم أثناء هذا الانتقال. في الحقيقة، الدولة القومية هي «عنف منظم»، فهي جهاز الإكراه والإجبار الذي أُريد به عزل مكاسب الإنتاجية التي تولدت بالتقسيم السلمي للعمل. تحمي أنظمة القانون والشرطة الفاعلين في السوق من التهديدات الداخلية على منبع التجارة الحرة، أما الجيش فيحيّد التهديدات الخارجية. كانت الدولة القومية أفضل طريقة للقرن العشرين لاستعمال العنف من أجل حماية السلام.

الأنفاق العسكري في عام 2019 – أعلى 10 دول والتغيير من 2018

لكن الواقع التكنولوجي للقرن الواحد والعشرين يغيّر حساب العنف تغييرًا كبيرًا. ولمّا امتنَعت مصادرة المال الرقمي بالضرائب أو التضخم، أصبحت خدمات الحماية التي تقدمها الدول القومية عاكسة لتكاليف إنتاجها الحقيقية مع الوقت. بعبارة أخرى: في العصر الرقمي، ستُجبَر الدول القومية على التنافس واكتساب ولاء مواطنيها، كأي شركة أخرى في السوق الحرة، ومن ثم فلن تستطيع اكتساب مال لقاء خدماتها (التي ستقل حاجتنا إليها) إلا ما يوافق سعر السوق. قد تجد الأنظمة القانونية والسياسية التي كانت مطلوبة لضمان العقود والملكية الخاصة والسلام المجتمعي في العصر الصناعي، قد تجد نفسها سريعًا لا وجوب لها ولا ضرورة، في عالم يمكن تقديم هذه الخدمات فيه بطرائق أفعَل توفّرها شبكات رقمية منظمة لنفسها. فإذا جمعنا إلى هذا انهيار قدرات الحكومة على المَكْس (فرض الضرائب) وجدنا أن الخدمات التي تقدمها الدولة ستسقط أمام البرمجة.

داروينية رقمية

ستصبح الفعالية أهم من مراسيم السلطة في تنظيم المؤسسات الاجتماعية

سيادة الفرد

مع تداعي الدولة القومية، ستسقط حواجز دخول السوق والمشاركة فيه والخروج منه، ومن ثم يتعاظم التنافس السوقي الحر وتوليد الثروة. في الأسواق الممكّنة رقميًّا والعالية التنافس، تسود توزيعات قانون الطاقة وتتضاعف آثار (الغالب يأخذ كل شيء): فيسبوك، آبل، أمازون، نتفلكس، مايكروسوفت، والآن بيتكوين، كلها أمثلة على هذا النموذج الدارويني الرقمي. سيصبح الاختيار والتجريب هما المتحوّلان اللذان يعرّفان التنظيم الاجتماعي الاقتصادي الجديد. سُتحاوَل أساليب جديدة لحماية الحياة والحرية والملكية، وستُخفق، ثم سيُستفاد منها. إن التهديد دائم الوجود، بهروب رؤوس الأموال إلى الفضاء الرقمي الذي لا وصول إليه، سيجبر المؤسسات التي تريد أن تبقى على التعامل بصدق مع المواطنين. فإذا أصبحت الحكومات برامج، أصبحت رشيقة، ابتكارية، متبعثرة. يحرق التشفير الدولة القومية بالأسيد الرقمي: ويفكك أقوى بنى قوتها ويحول بنى دوافعها من الداخل. لن يبقى إلا أكثر الوظائف الحكومية إنتاجية ومسؤولية. مع انحسار قيود المحلية، لن يُكسَب المال والاهتمام إلا مقابل أقوَم الخدمات وأفضلها. من مميزات السيادية: أن تحل الجدارة (أو الميريتوقراطية) محلّ البيروقراطية.

يجعل الترقيم النتائج أهم من المراسيم، أي إن الجدارة ستعتلي هرم القيم المجتمعية. إن عالمًا تُرفَع فيه القيود الزمكانية لا شكّ أنه سيكون «عصر التفوّق». فعلى سبيل المثال، لم يعد كافيًا أن تصبح فرقة تقليد أفضل فرقة في المدينة: فبفضل اليوتوب، ستحتاج اليوم إلى أن تصبح أفضل فرقة تقليد في العالم، في الزمن كله، وأن تنافس على اهتمام الجمهور المستهدف. بل إن على فرق التقليد أن تنافس حتى الفرق الأصلية التي تقلّدها، في زمننا الذي غيّره التواصل الرقمي. عندما تصبح عروض المبيعات على الوسائل الرقمية لا في العالم الواقعي، لن ينشر المسؤولون التنفيذيون إلا مندوبي المبيعات الأمهَر بغض النظر عن مكان سكنهم. إن تقليل الحواجز البيروقراطية يزيد دعم الجدارة، ويخفف القوة السياسية في العمل.

فإذا قلّت مكاسب استعمال العنف، أصبحت الفعالية أهم من الحجم من حيث تمرير الطاقة في الزمكان. عندما تغلب الفعاليةُ العملات الحكومية هكذا، تتفسّخ المؤسسات لتتنظم من جديد، وتتراكم حينها معظم المكاسب الاقتصادية مع «النخبة العقلية» التي تنبّأت وتحضرت لهذه التحولات السياسية الكبرى على الأرض. إن الذين يكرسون جهودهم ليتأقلموا مع روح العصر عديمة الحدود، السائلة، المنظمة لنفسها (بنقل مدخراتهم مبكّرًا إلى البيتكوين وتنويع خيارات جنسيتهم)، سيخلعون «الرأسماليين الجشعين» الذين ولدهم العصر الصناعي، ليتوّجوا أنفسهم «سياديين مثقّفين» ولدهم العصر الرقمي.

توسع التقنية الرقمية أفق الإمكان الإنساني، فتُظهر أن تحقيق ما تخيله السياديون بكل أنواعهم متعددة الوجوه، أمر ممكن. إن بث الفيديو، والتواصل المشفر، والمال الذي لا يُوقَف، كلها أشياء تجعل الإنسان «يلوي الزمكان» حسب إرادته. ولكن، مع هذه الإمكانات المتقدمة تكاليف ومخاطر. سيُجبر فقدان شبكات الحماية الاجتماعية وبرامج الرفاه الحكومي الأخرى، الأفراد على أن يصبحوا مسؤولين عن أنفسهم أكثر مما كانوا أيام العصرين الزراعي والصناعي (اللذين سأسميهما من الآن: العصرين التماثليين). السياديون الناجحون هم الذي يجسدون حكمة فولتير الخالدة:

مع القوة العظيمة تأتي مسؤولية عظيمة

لا شَكّ أن السياديين الذين استحقّوا اسم السيادية سيُمتحَنون، لأن الدول القومية ستدافع وتحاول أن تحافظ على سلطاتها التقليدية على الناس. ستخسر الدول القومية سلطتها على «الأفراد السياديين» الذين حرروا أنفسهم، والذين سيتسلحون بالإمكانات العظيمة التي ولدتها رؤوس الأموال والأسواق والشبكات الرقمية. قد يصبح الابتزاز الموجه، سلاح الحكومات الفاشلة المفضَّل، من شدة يأسها. لن ينجو من هذه الإجراءات العسكرية إلا السياديون الذين يتخذون أفضل إجراءات الأمن. مع إشراق حقيقة المستقبل الرقمي الذي يهدد وجود الدول القومية، يرجح أن هذه الأخيرة لن تألو جهدًا في صراع القوة التالي، كما شرحها كتاب سيادة الفرد

كما حارب الملوك والسادة والبابوات والحكام حرصًا على مزيّاتهم التي اعتادوها في المراحل الأولى من العصر الحديث، كذلك ستستعمل حكومات اليوم العنف، العنف الخفي العشوائي، محاولةً منها لإبقاء الأمور على حالها. سيضعف تحدي التكنولوجيا الدولة، ويجعلها تعامل أفرادها الذين يتزايد استقلالهم، مواطنيها السابقين، بالجشع نفسه والأساليب التي كانت من قبل تظهرها في التعامل مع الحكومات الأخرى

 

مهما قاومت الدول، ستنهار أمام البرمجيات في الآخر. إن محاربة تدفق البيانات الحرّ أخيَب من محاربة مد البحر.

انفجار السدود

في العصر الرقمي، ستضمحلّ تهديدات العنف الجسمي التي كانت مبدأ السياسة ومنتهاها منذ الزمن الغابر

سيادة الفرد

 

الدول القومية، كالسدود، لا تستطيع مقاطعة التدفّق الذي لا ينقطع لنزعات الطبيعة إلى تنظيم نفسها إلى الأبد. مع انهيار قدرة الحكومات على فرض الضرائب، ستتوسع الاقتصادات البديلة، وتجعل الدول القومية الأصغر قادرة على تنافس أكبر، وهو ما سيجعلها جذّابة للسياديين. إن إرهاصات هذا التحول ظاهرة من الآن، مع إعلان مدن مثل ميامي برامج لجذب رائدي الأعمال الذين يفكرون بالمستقبل لتعطيهم الإقامة.

بفضل مجموعة من التطورات التقنية، ستقلّ فوائد الحجم الكبير في القتال. يقلل الترقيم من حيث هو ترقيم، الحجم الذي يجب على المنظمات أن تحصل عليه لتستطيع استعمال العنف. يمكن طباعة الأسلحة بالطابعات ثلاثية الأبعاد، يمكن إطلاق طائرات مسيرة رخيصة مضادة للطائرات، يستطيع القراصنة تعطيل جيوش كاملة، ويمكن تحريك رؤوس الأموال من دون أثر. إن عدم تناظر التكلفة والنتيجة يؤدي إلى أنظمة قوة متناسقة. عندما تنهار تكلفة الدفاع، تصبح خطط الهجوم أقل إثمارًا.

فإذا استرجع العالم لامركزيته، سيرتدّ إلى تناسق العنف، الذي شهده آخر مرة في أيام الصيّادين والجمّاعين. ولكن هذا الارتداد (خلافًا لما قد يُظَنّ) سيولّد مزيدًا من السلام، بعد النظر في كل الحجج، لأن الطاقة اللازمة للفعل أحيانًا أهم من الفعل نفسه. كما أن مخافة هرَب رؤوس الأموال تجبر المؤسسات على الصدق في تعاملاتها، كذلك مخافة العنف المحلي ستشجع التواصل السلمي بين السياديين على نطاق واسع. ستتراكم المزايا القتالية مع المؤسسات المتكيفة المنوّعة، التي تستطيع أن «تضرب أكبر من وزنها» مسلّحةً بأسلحة متقدمة. إن الوصول المتساوي إلى الأسلحة، التي يمكن تحميلها من الفضاء الرقمي وشراؤها من الأسواق التي لا قيد لها، يعني أن السياديين سيتعاملون بأدب بينهم. مع أن تحقيق تناسق القوة مغرٍ على المستوى الحضاري، فإنه يقتضي إعادة تشكيل البنى المؤسسية، وهو حدث سيظهر اضظرابًا عظيمًا: كما تستعيد الطبيعة التوازن بتفجير سد.

لا تثبت البنى التي لا تتكيف أمام اختبار الزمن. ستغلب السيادية كل أساليب التنظيم الاجتماعي الاقتصادي، لأنها أشدّ هذه الأساليب تكيّفًا.

إن تناسق العنف وانخفاض دوافعه، يعني تناقص جرائم القتل الجماعية، وجرائم القتل المدرسي، والحروب الحكومية. ولكن مع هذا، سيواجه السياديون تهديدات كالابتزاز وطلب الفدية، وهي أسلحة قد تحملها الدول القومية على جميع الناس سواءً، في صراعها لتحافظ على قيمتها وهي تتفكك في طوفان الأسيد الرقمي. سيتزايد الطلب على الحماية من الحكومات المتساقطة. ستكون إجراءات الأمان والحماية ذات أهمية كبرى للأثرياء. ويرجح أن تشتهر تفاصيل الحماية الخاصة بين السياديين. ستُلغى الهويات التي تعطيها الدول للناس، وتتخذ مكانها أسماء مستعارة. وعندما تثوّر التكنولوجيا الرقمية الإنسان من كل ناحية، تصبح قوانيننا الحالية متقادمة، ومؤسساتنا مقلوبة، وستتغير أخلاقنا وتتبدل تصوراتنا إلى الأبد. ستهزّ السيادية حسّ الاستقرار (الوهمي) الاجتماعي الاقتصادي الذي يوفره احتكار العنف، وتُنذر بانهيار كامل لنموذج الدولة القومية التنظيمية المثقَل بالسياسة والتسييس. ورد في الفرد السيد:

ستجبر قوى السوق، لا الأغلبيات السياسية، المجتمعات على إعادة تشكيل نفسها على نحو لا يقبله الرأي العام ولا يرحب به. فإذا فعلوا هذا، سيظهر تضليل الرأي القائل بأن التاريخ هو ما يتمناه الناس.

 

إن من الحجج الشائعة ضد صعود السيادية التي مكنتها البيتكوين: أن «الدول القومية لن تسمح بذلك». مسار التفكير هذا معيب في جوهره، لأنه يجعل الدول القومية تنظيمات مفردة مستقلة لا تنقسم. في الحقيقة، الدول القومية هي (إلى حد ما) مجرّات متداخلة من الأفراد الذين تجمعهم مصالح اقتصادية أو شبكات تجارية أو تشابهات اجتماعية ثقافية أو أحلاف سياسية جغرافية. الدول القومية ليست تجمعات اجتماعية اقتصادية مفردة، خلافًا لما تفترضه أذهان كارهي البتكوين خطأً. إن السلطة التي تمسك هذه المنظمات مشتقة (مباشرة أو غير مباشرة) من حصتهم في نظام السيادة التماثلي الوحيد في العالم: الذهب. مع قصور مستوى الخدمة الذي تقدمه هذه الدول القومية مقابل ثمنه، ستزداد دوافع المواطنين الأفراد لترك هذا الاحتكار المالي المفروض بالعنف، وهو ما يشكل في النهاية «حمى الخروج» إلى البيتكوين. سيواجه هذه الضغوطات قضاة الدولة ومشرعوها وشرطتها، ولن يتجاهل هذه الضغوطات الاقتصادية لترك نظام النقد الحكومي إلا أغبى الناس أو أصحاب الوطنجية. وإذا بدأ ناخبو الدولة المتنفّذون يجمعون البيتكوين، يصبحون منحازين إلى نجاحه، وتتفكك بنى السلطة الموجودة في جوهر كل دولة قومية. البتكوين دوامة لا انتهاء لها من الدوافع المنيعة على الخطط الإكراهية، وإعصار اقتصادي لن تجد أي دولة قومية عنه مصرفًا. السيادة الذاتية مطلب عالمي لا يتوقف في السوق الحرة، وفي البتكوين، ينطق الناس بالحقيقة دائمًا للسلطة.

https://twitter.com/Breedlove22/status/1309490358489812994?ref_src=twsrc%5Etfw%7Ctwcamp%5Etweetembed%7Ctwterm%5E1309490358489812994%7Ctwgr%5E%7Ctwcon%5Es1_c10&ref_url=https%3A%2F%2Fcdn.embedly.com%2Fwidgets%2Fmedia.html%3Ftype%3Dtext2Fhtmlkey%3Da19fcc184b9711e1b4764040d3dc5c07schema%3Dtwitterurl%3Dhttps3A%2F%2Ftwitter.com%2Fbreedlove22%2Fstatus%2F1309490358489812994image%3Dhttps3A%2F%2Fi.embed.ly%2F1%2Fimage3Furl3Dhttps253A252F252Fabs.twimg.com252Ferrors252Flogo46x38.png26key3Da19fcc184b9711e1b4764040d3dc5c07
ستعرّي السيادية بنى السلطة للدولة القومية أمام الحقيقة.

 

وقد يبدو هذا الانتقال مخيفًا وربما فوضويًّا، لكن منتهى السيادية هو انفجار الثروة وازدهار إنساني شامل مع تفكك الدولة القومية. ستكون المنظمات الرقمية المنظمة لنفسها أعظم شهادة على التدمير الخلّاق عرفه التاريخ. سيطلق انهيار سد الدولة القومية — وهي مجمغ الكذب والسرقة والتجنيد — الإبداع الإنساني إلى درجة لا يمكن تصورها. إذا ثبت هذا، سيرى التاريخ الإنترنت مجرد إبداع سابق ضروري للبيتكوين، أما الفتح التقني الحقيقي الذي مكّن التحول الحضاري إلى السيادية، فهو البيتكوين نفسه.

ستغلب السيادية الدولتية في القرن الواحد والعشرين. إن هذا التحول السياسي الأكبر في طريقه من الآن، وآثاره تتظاهر كل يوم. في الجزء الثاني، سنرى أن البيتكوين هو حفّاز السياديّة. البيتكوين هو الإبداع الحقيقي في عالم يتحول بسرعة إلى مياه لا يستطَاع حكمها في أعالي البحار الرقمية، لأنه البنك الحر المطلق للسياديين في القرن الواحد والعشرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى