المقال الأصلي | الكاتب: Muslim Bitcoiner | ترجمة: علاء أنور | مراجعة: BTCTranslator | تاريخ الكتابة: يناير 2022
عندما يرغب أي مسلم بالقيام باستثمار كبير أو مصيري، سواء كان ذلك من أجل تأسيس شركة أم بهدف التعليم أم بناء منزل، فلديه الخيار إما أن يقترض وإما أن يدخر ويجمع رأس المال المطلوب. كلا الخيارين يضع المسلمين في مأزق وهم يسعون إلى أن تكون ثرواتهم حلالًا.
في النموذج المصرفي المعياري الحالي، فإن الحصول على قرض ليس خيارًا جيدًا للمسلم الذي يتقي الله لأنه ينطوي بشكل مباشر على الفائدة، وهي الربا كما يطلق عليها في اللغة العربية وهي حرام شرعًا في الإسلام. ويعتبر الحصول على قرض من بنك إسلامي بديلًا ممكنًا. لكنه خيار له مشاكله الخاصة، فمن أجل تحقيق المزيد من الأرباح، لا يزال يتعين على البنوك الإسلامية العمل وفقًا لمعايير النموذج المصرفي الحكومي، الذي يقوّي الدوافع لإصدار الديون قدر الإمكان من أجل تحقيق الأرباح. في الواقع، يمكن لأي بنك إسلامي أن يعلن أنه لا يتعامل أو يرتبط بالربا؛ لكنه يظل بحاجة إلى استخدام نفس آليات جني الأرباح التي تستخدمها البنوك العادية. عادةً ما تفرض البنوك الإسلامية رسومًا ثابتة وتسميها اسمًا ما بالعربية ثم تتربح من الإقراض دون تحمل أي مخاطرة. النتيجة المؤسفة ولكن المتوقعة لهذا النموذج المصرفي الإسلامي هي أن المسلم ينتهي به الأمر بدفع المزيد للحصول على قرض من خلال مصرف إسلامي مقارنة بمجرد الحصول على قرض بفائدة من مصرف عادي.
هذا يقودنا إلى الخيار الآخر، والذي يتطلب من المسلم ادخار المال اللازم للاستثمار، ولكن في هذا الخيار مشكلتين أساسيتين.
أولًا: يتزايد معدل التضخم عامًا بعد عام ويخفض من قيمة النقد. فعندما تُضخ الدولارات ويزيد المعروض النقدي، فإن كل مدّخر للعملة يخسر قيمة ثروته بسرعة وهو يشاهد ارتفاع أسعار السلع والخدمات.
تخيل أن شخصًا ادخر 10،000 دولار تحت سريره عام 1950. مرّت عدة عقود وأراد حفيده استثمار المبلغ في مشروع تجاري في عام 2021. نجد أن مبلغ 10 آلاف دولار لم يعد فيه من القوة الشرائية إلا ما يعادل 870 دولارًا من دولارات عام 1950! بعبارة أخرى: فقد المبلغ 91.3% من قدرته الشرائية في فترة 70 عامًا. هذه العملية هي بالأساس سرقة، وتحدث عبر فترات زمنية طويلة فلا يدرك المدّخرون حدوثها. يصف الكاتب ‹إدوارد جريفين› ببراعة في كتابه المخلوق القادم من جزيرة جيكل التضخم كضريبة خفية:
وبالتالي فإن التضخم هو ضريبة خفية، هذه الضريبة هي الأكثر ظلمًا على الإطلاق لأنها تؤثر تأثيرًا أكبر على من هم أقل قدرة على الدفع: أصحاب الأجور المنخفضة وذوي الدخل الثابت.
مع هذه المشكلة يحتاج المدّخر إلى الحصول على المزيد والمزيد من السيولة لأن التضخم يقضي على ثروته المكتسبة بشق الأنفس. إذا كان لدى مسلمٍ طموحٌ في الالتحاق بكلية الطب، وتجنب المسلم القرض وعمل واجتهد في العمل مدّة بين 5 و10 سنوات ليوفر النقود المطلوبة، لنقل إنها 300,000 دولار. بعد أن يجمع الرجل المبلغ المطلوب يجد أن كلية الطب التي أراد الالتحاق بها رفعت رسومها إلى 450,000 دولار، فيضطر إلى العمل بضعة سنوات أخرى ليحاول أن يجمع المبلغ المطلوب قبل أن يلتهمه التضخم.
المشكلة الثانية أنك عندما تدّخر فأنت حتمًا شريك في الربا، وإن كان بشكل غير مباشر؛ فمتى أراد المدخر إيداع أمواله في أحد البنوك، فإن البنوك لا تحتفظ من أمواله إلا باحتياطيات قليلة تكاد تكون معدومة، نظرًا لطبيعة النظام المصرفي وعملًا بنظام الاحتياطي الجزئي، وتقرض ما تبقى من ذلك إلى الشركات والأفراد وتحقق ربحًا من وراء فوائد هذه القروض. حتى لو قرر المسلم ادخار المال وعدم الحصول على قرض لاستثماره، فإنه لا يزال يتعامل بالربا بل ويموّل الربا.
عندما يتسلح المسلم بمعرفة الطبيعة المحرمة للنظام المصرفي القائم على الربا وكيف يسرق التضخم أمواله، سيحاول البحث في مكان آخر لحماية ثروته. سوف يذهب المسلمون إلى سوق الأوراق المالية، وبعد ذلك سيحاولون معرفة الأسهم الحلال للاستثمار فيها. لهذا الاستثمار مشاكله أيضًا، إذ إنّ كل شركة مطروحة للتداول العام تقريبًا عليها ديون في ميزانياتها العامة، وبالطبع هذه الديون تشتمل على ربا. يجب على المسلم قضاء ساعات طويلة في البحث عن الشركات الحلال للاستثمار فيها، بالإضافة إلى قضاء ساعات أطول في البحث عن الشركات التي ستحقق أفضل أداء. يجب على المسلم أيضًا أن يميز الشركات التي لها جوانب أو معاملات أخرى محرمة، مثل أن تكون تتعامل بلحم الخنزير أو الكحول، وأن يفهم ما إذا كانت الشركة تعمل بشكل أخلاقي من منظور إسلامي. إن الاضطرار إلى قضاء مئات الساعات من البحث للتنقل والاستثمار في سوق الأوراق المالية بشكل صحيح ليس خيارًا قابلًا للتطبيق بالنسبة للمسلم العادي الذي لديه وظيفة بدوام كامل وعائلة. نعم، قد يستطيع أن يجد عددًا من الشركات «الحلال» في سوق الأوراق المالية للاستثمار فيها، ولكن عدم القدرة على الاستثمار في أفضل الشركات أداءً يعرض المسلمين للخطر لأن استثماراتهم في سوق الأوراق المالية لا تواكب معدلات التضخم المرتفعة.
قد يختار المسلم أن يستثمر في العقارات، لكن فئة الأصول هذه تتطلب استثمارًا كبيرًا للبدء فيها، حيث لا يمكن للمسلم ببساطة شراء نسبة صغيرة من مبنى معين أو قطعة أرض. من أين يكتسب المسلم هذه الأموال لمثل هذا الاستثمار؟ من قرض من البنك؟ عدنا هنا إلى مشكلة محاولة تجنب الربا.
الذهب من الأصول الحلال الآمنة والشائعة التي يمكن للمسلم الاستثمار فيها وهو جيد، لكنه في الآونة الأخيرة لم يواكب التضخم المتفشي، خاصة في آخر عشر سنوات. إذا اشتريت الذهب قبل 10 سنوات، فإن السعر بالدولار الأمريكي لم يتغير كثيرًا، وهذا يعني أنه إذا وضع المسلم ثروته في الذهب، فلن يكون الأمر مختلفًا عن مجرد ادخاره بالنقود، من حيث محاولة الحفاظ على تلك الثروة ومحاولة التغلب على التضخم.
يُجبر النقد الحكومي المسلمين أن يذهبوا إلى الكازينو ويقامروا بثرواتهم، لكن المسلمون محتاجون إلى إدارة محافظهم بنشاط من أجل التغلب على التضخم، حتى يتمكنوا من الحفاظ على ما يكتسبونه بعرق جبينهم. يشرح ‘سيف الدين عموص‘ في كتابه الأخير “معيار النقد الحكومي“، يشرح بإيجاز عن مشكلة النضال من أجل الحفاظ على ثروة المرء في ظل النقد الحكومي.
مشكلة النقد الحكومي هي أن مجرد الحفاظ على الثروة التي تمتلكها بالفعل يتطلب إدارة نشطة ومستمرة وخبرة في صنع القرار. تحتاج إلى تطوير خبراتك في تخصيص المحفظة الاستثمارية وإدارة المخاطر وتقييم الأسهم والسندات وأسواق العقارات وأسواق الائتمان والاتجاهات الكلية العالمية، والسياسة النقدية الوطنية والدولية، وأسواق السلع، والجغرافيا السياسية، والعديد من المجالات الأخرى الغامضة والمتخصصة للغاية من أجل اتخاذ قرارات استثمارية مدروسة تسمح لك بالحفاظ على الثروة التي اكتسبتها بالفعل. تحتاج فعليًا إلى كسب أموالك مرتين في ظل النقد الحكومي، مرة عندما تعمل من أجلها، ومرة عندما تستثمرها للتغلب على التضخم
بالإضافة إلى الكفاح من أجل الحفاظ على قيمة المدخرات، يجب على المسلم أيضًا أن يكافح لتجنب الربا في تعامله مع المال، ولكن كما ناقشنا سابقًا، فإن الربا موجود فعليًا في كل استثمار مالي، يخدع المسلمون أنفسهم في التفكير في أنهم يستطيعون جعل ثرواتهم حلالًا في النظام النقدي الحكومي.
إذا كنت مسلمًا فهناك شيء واحد يجب أن تخرج به من هذا المقال: لا يمكنك تجنّب الربا عن طريق توفير المال لاستثمارك. لا يمكنك تجنب الربا وأنت تعمل ضمن النظام المصرفي الاحتياطي الجزئي، والعمل مع بنك إسلامي أو تحويل أموال الإيجار إلى مالك العقار لدفع رهن عقاري ربوي لا يجعل أموالك «حلالًا». عندما تختار العمل وتضع ثروتك في النظام النقدي الحكومي، فإنك تمكّن الآخرين من التعامل بالربا وكسب المال منه.
وجود الربا من أخطر المشاكل التي تواجه المسلمين الآن، والنبي محمد –صلى الله عليه وسلم– لعن المتورطين في الربا والمرتبطين به:
عن جابر بن عبدالله عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم– قال: «لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء».
(صحيح مسلم ١٥٩٨)
يحفّز النقد الحكومي المسلمين على التنازل عن مبادئهم والبقاء في الفقر، حيث يسرق التضخم خلسة ثرواتهم. يجعل النقد الحكومي المسلم عبدًا للدَّيْن لا عبدًا لله. تقترب قيمة الدولار في النهاية من الصفر إذ يسحب النظام النقدي البساط ببطء من تحتنا، وعندما يحدث ذلك، لن تكون هناك حكومة أو بنك أو مؤسسة لإنقاذ المسلمين.
الخيار الواقعي الوحيد لأفراد الأمة هو تحويل ثروتهم إلى بيتكوين، كوسيلة لحماية أنفسهم من سرقة ثرواتهم. يحمي البيتكوين المسلم من الربا أيضًا. لقد أصبح لديك الآن خيار تخزين ثروتك في أكثر الشبكات أمانًا ولامركزية، شبكة لا يشتمل كودها المصدري على ربا. يتطلب تعدين البيتكوين الطاقة وبرهان العمل، على عكس تعدين النقد الحكومي، الذي يتطلب الربا وإثبات الديون، وفي البيتكوين لا يحتاج المسلم إلى المرور بأي بنك أو مؤسسة مالية لتخزين أمواله الخاصة أو نقلها. وبدلًا من التعامل مع النظام المصرفي الاحتياطي الجزئي، تمنح عملة البيتكوين المسلم خيار أن يُكَوِّنَ بنكه الخاص.
يمكن للمسلم استخدام البيتكوين لإجراء المعاملات المصرفية أو الحصول على قرض دون الحاجة إلى التعامل بالربا. وإذا تم اعتماد معيار البيتكوين فقد يصبح الإقراض القائم على الفائدة أقل شيوعًا، هذا إذا استمر وجوده أصلًا. بالنظر إلى الحد الأقصى من عرض البيتكوين الذي يبلغ 21 مليون قطعة، يمكننا أن نتوقع ارتفاع سعره كل عام في عالم يسود فيه البيتكوين وتعمل فيه البتكنة الفائقة*.
في هذا السيناريو، من المتوقع أن ترتفع قيمة البيتكوين قليلًا كل عام لتتناسب مع الإنتاج والإنتاجية في العالم. هذا يعني أن إقراض البيتكوين بسعر فائدة 0٪ سيدرّ في الواقع عائدًا إيجابيًّا؛ لأن عملة البيتكوين التي أُقرضت ستكون ذات قيمة أكبر عندما تعود إلى صاحبها بعد انتهاء مدة القرض. إذا أصبح هذا الأصل المتزايد القيمة طبقة النقد الأساسية، قلّ الحافز لوضعه في البنوك لاكتساب فائدة، لأن البنوك لا تستطيع ببساطة أن «تطبع» مزيدًا منه لحماية المودع في حالة خسارة ماله. لماذا تودع بيتكويناتك في أحد البنوك واحتمال ربحك لا يتعدى اكتساب معدل فائدة ثابت، أما احتمال خسارتك فقد يبلغ أن تخسر كل وديعتك؟ الأرجح أن الأفراد سيستثمرون البيتكوين في أعمال تجارية تدرّ ربحًا، وسيستغنون بذلك عن وضعها في البنوك لاكتساب معدل فائدة ثابت. إن احتمال تثبيط البيتكوين للفائدة أو إلغائه لها سبب جيد من أسباب كثيرة تدفع المسلمين إلى اعتماد معيار البيتكوين.
في الختام يتّضح أن الطريقة الوحيدة للخروج من النظام النقدي الحكومي هي ببساطة شراء البيتكوين والاحتفاظ به فترة طويلة من الزمن. عندما تشتري بدولاراتك شيئًا من البيتكوين، فأنت تقول لمصدري الديون من الاحتياطي الفدرالي وغيره من البنوك المركزية أنك لم تعد مشاركًا في مخططهم الهرمي القائم على الديون. بقدر ما يعرف المؤلف، فإن البيتكوين هي الطريقة الوحيدة لمحاربة النقد الحكومي، يمنح البيتكوين الأمة المسلمة فرصة ثانية في مستقبل أفضل، تستطيع فيه إدارة ثروتها وتنميتها بطريقة آمنة، وهي مطمئنة إلى عدم ارتباط هذه الثروة بالربا.
*البتكنة الفائقة: هي عبارة أطلقت عام 2014 لوصف الانتقال من العملات الرديئة إلى العملات المتفوقة مثل البيتكوين، يحدث هذا الانتقال حين يبلغ الاقتصاد الحكومي نقطة تجعله غير قابل للاستدامة، هنالك يتخلى الناس عن هذه العملات ويتحولون إلى البيتكوين.
Photo by Rumman Amin