تقنية

السلاسل المسيَّرة Drivechains

لم تزل مسألة توسيع البيتكوين حتى يمكن استخدامه بحرّية أكبر مما تتيحه الطبقة الرئيسة، مسألةً شائكةً يختصم الناس فيها ويكثر الجدل حولها. السلاسل المسيَّرة Drivechains هي اقتراح من هذه الاقتراحات التي أثارت كثيرًا من الجدل، وقد تجدد الأخذ والرد فيها مؤخرًا في مجتمع البيتكوين. فما هي السلاسل المسيَّرة؟ وهل يمكن أن تقدّم حلًّا صالحًا لمسألة التوسيع؟

سلاسل الفضاء Spacechains

قبل أن نفصّل تعريف السلاسل المسيّرة، فلنلق نظرة على سلاسل الفضاء، التي ستكون جسرًا إلى فهم السلاسل المسيّرة. سلاسل الفضاء هي سلاسل جانبية صفريّة الثقة تستعمل البيتكوين عملةً لها، وتقوم على عمودين:

  1. حرق البيتكوين: من يريد المشاركة في سلسلة معيّنة، وأن يملك مقدارًا من البيتكوين فيها، فعليه أن يحرق (نعم، يتلف تمامًا) مقدارًا من البيتكوين على الشبكة الرئيسة. ستمنحه الشبكة الجانبية حالئذ المقدار نفسه ليتصرف به في نطاقها.
  2. التعدين المُدمَج الأعمى Blind Merge Mining: تتيح هذه التقنية تعدين الكُتَل في السلسلة الجانبية بقوّة تعدين البيتكوين نفسها، دون حاجة إلى أن يشغّل المعدنون برنامجًا خاصًّا. لا يعرف المعدنون شيئًا عن السلسلة الجانبية، ولكنها تستفيد من عملهم.

العيب الوحيد (والكبير جدًّا) في هذه الحالة، هو كما خمّنتَ، حرق البيتكوين. سلاسل الفضاء تذكرة ذهاب دون إياب، إذا قفلت فيها ساتوشياتك فليس لك أن تعيدها إلى الشبكة الرئيسة.

ماذا يمكن أن نستفيد من سلاسل الفضاء؟ عُدّ معي: سلاسل تدعم التحقق من طرف العميل، وسلاسل تدعم العقود الذكية، وسلاسل تستطيع تحمّل استخدام البشرية كلها للبيتكوين (أحجام الكُتَل فيها كبيرة بما يكفي)، وسلاسل تحفظ خصوصية المعاملات، وسلاسل يمكن أن تحل محل الأنظمة المركزية (مثل DNS)، وكل سلسلة تخطر في بالك، سواء أكانت موجودة اليوم في عالم العملات البديلة أو غير موجودة، فيمكن تطبيقها في سلاسل الفضاء. لكن الثمن ما زال كبيرًا، أكبر مما يرغب واحدنا في الدفع. ماذا لو أخفقت السلسلة الجانبية؟ أو لو انخفض سعر البيتكوين المقفول فيها لقلّة الطلب؟ ماذا لو تبيّن أن فيها عيبًا تقنيًّا؟ كل هذه المخاوف تبقى دون إجابة في حالة سلاسل الفضاء.

لكن، هل يمكن أن نجعل التذكرة تذكرة ذهابٍ وإياب؟ ربّما، لكن ليس بسهولة.

السلاسل المسيَّرة: تذكرة ذهاب وإياب

إن «انتقال» البيتكوين من سلسلته الأم إلى سلسلة جانبية، أمر سهل يمكن تحقيقه اليوم وفي أي يوم. أرسل البيتكوين إلى عنوان لا يمكن إنفاقه. ثم أرسل برهان استحالة الإنفاق إلى السلسلة الجانبية، حتى تعطيك المقدار نفسه على السلسلة الجانبية. هذا هو الحال في سلاسل الفضاء. لكن إذا تغيّر مالِك البيتكوين على السلسلة الجانبية، فلنقل إن صاحبه باعه أو أرسله إلى غيره، كيف يمكن أن نتيح العودة إلى السلسلة الرئيسة وشبكة البيتكوين لا تعرف شيئًا عن قواعد السلسلة الجانبية ولا عن المالك الجديد؟ هذه هي المعضلة الكبرى التي اقترح من أجلها الباحث باول ستورك مقترح تحسين البيتكوين 300 و301. ما هي الفكرة؟

نريد أن نجعل عقد البيتكوين قادرةً على معرفة المالك الحقيقي للبيتكوين المودَع في الشبكة الجانبية، دون أن نزيد حجم الكتلة في الشبكة الأم، ودون أن نضيف تكلفةً على عقد البيتكوين. يجب أن تستطيع العُقَد القديمة تجاهل التحديث تمامًا. رأى الباحث أننا يمكن أن نعتمد على افتراض موجودٍ حتى في الكتاب الأبيض للبيتكوين: «إذا كانت أغلبية قوة المعالجة في يد عقد نزيهة، ستنمو السلسلة النزيهة أسرع نمو وتتجاوز في سرعتها كل السلاسل المنافسة»، وفي موضع آخر: «التحقق يمكن الاعتماد عليه ما دامت العُقَد النزيهة تتحكم بالشبكة، لكنه أقرب إلى الخطر إذا تغلّب مهاجم عليها». لماذا لا نعتمد على المعدنين؟

آلية السلاسل المسيَّرة

  1. يُرسل الذين يريدون الانتقال إلى السلسلة الجانبية ساتوشياتهم إلى «صندوق خاص» مخصص للسلسلة الجانبية المعنيّة.
  2. يفقد المُرسلون قدرتهم على التحكم بهذه الساتوشيات في الشبكة الأم، ويكتسبون القدرة على التحكم بالمقدار نفسه في الشبكة الجانبية.
  3. تبدّلت الأيدي وتغير المالكون. يريد بعض روّاد الشبكة الجانبية الآن العودة إلى الشبكة الأم، فيبثّون في الشبكة الجانبية معاملة سحب.
  4. تُجمع معاملات السحب في معاملة سحب جماعي، تُبَث على السلسلة الجانبية أولًا، ثم تخزَّن في السلسلة الأم (دون أن تنفَّذ).
  5. ينتظر الجميع مدة من الزمان، ثلاثة أيام مثلًا. يُتحقق في هذه الفترة من أن معاملة السحب في السلسلة الجانبية موافقة للمعاملة في السلسلة الأم.
  6. على مر ستة أشهر بعد ذلك، يصوّت المعدنون كتلةً بعد كتلة على صحّة معاملة السحب، بإضافة صوت أو إزالة صوت.
  7. إذا بلغت الأصوات على الصحة حاجزًا معينًا، 500 مثلًا، تُنَفَّذ معاملة السحب الجماعي وتُبَثّ في الشبكة مثل أي معاملة عادية.
  8. هنا تعود الساتوشيات التي في الشبكة الجانبية إلى أصحابها (الجدد) في الشبكة الأم.

هذه هي خلاصة العملية، وأظن أن مَثار الجدل فيها واضح: الاعتماد على نزاهة المعدّنين لدى تصويتهم على معاملة السحب الحقيقية. يمكن للمعدّنين أن يسرقوا أموال الشبكة الجانبية، لكن: هل هذه الإمكانية واقعية أم مجرد نظرية؟ فلنطّلع على الجدال:

هل يسرق المعدنون؟

قبل الخوض في هذا السؤال، تذكَّر: المعنيّ في هذه المسألة هو أصحاب الأملاك في الشبكة الجانبية، أما الذين على الشبكة الأم فلن يؤثر هذا الأمر عليهم في شيء. وتذكَّر: لا يستطيع المعدنون بالعموم سرقة الأموال في الشبكة الأم، إلا في بعض الحالات (قنوات البرق مثلًا) إذا اجتمعت مع إعادة ترتيب الكُتَل.

تكاليف السرقة من السلاسل المسيَّرة

في حالة إعادة ترتيب الكُتَل: يحتاج المعدّن السارق إلى امتلاك أكثر من 51% من القوة التعدينية في الشبكة، لمدة 6 أشهر كاملة، أما في حالة عدم إعادة ترتيب الكُتَل: يحتاج المعدّن السارق إلى امتلاك أكثر من 75% من القوة التعدينية لمدة 6 أشهر كاملة. هذه التكلفة عالية جدًّا، لذا فخطر السرقة منخفض نسبيًّا، حسب رأي أنصار السلاسل المسيَّرة. لكن احتمال السرقة موجود، ولا ينكره أحد. لا ننسَ أن هذا الخطر واقع على الذين اختاروا الانتقال إلى السلسلة الجانبية والعودة منها فقط. ما من خطر جديد على أصحاب الشبكة الأم. السؤال هنا: إذا كان أنصار السلاسل المسيرة يقبلون بهذا الخطر، فهل ينبغي أن نتيح لهم الانخراط في الأمر؟

لكن تكلفة السرقة لا تتوقف هنا، يذكر المطوّر الشهير فياتجاف تكاليف أخرى قد تترتب على السرقة من السلاسل الجانبية:

  1. سرقة أي سلسلة جانبية ستوقف العوائد من هذه السلسلة، الآتية من التعدين المدمج الأعمى.
  2. سرقة أي سلسلة جانبية قد تؤثر سلبًا على سعر البيتكوين، وهو كارثة على المعدنين.
  3. تكلفة التعاون: لا بد أن يتعاون عدة معدنين من أجل فعل السرقة، وهو أمر خطير قد يضر كل المشاركين فيه.
  4. تكلفة خروج المعدنين الأفراد من مجامع التعدين المشاركة في العملية.
  5. تكلفة السمعة الحسنة في المجتمع.

هل تكفي هذه التكاليف العالية في منع المعدنين من السرقة؟ لك أن تقرر جوابك بنفسك.

الحجّة الأخرى التي يحتجّ بها نقّاد السلاسل المسيّرة، هي أن تطبيق هذا التحديث قد يؤدي إلى نتائج وخيمة، سوى إمكانية سرقة المعدنين. يرى هؤلاء النقاد أن السلاسل المسيرة تمنح المعدنين سلطة أكبر في الشبكة، وقد تحرِف دوافعهم إلى النزاهة فتجعلها أقرب إلى الفساد، كما قد تؤدي إلى تزايد النزاعات من أجل تحديثات البيتكوين، وتزايد إعادات ترتيب الكتل. لا يرى أنصار السلاسل المسيرة هذه الحجج صالحةً، لكن تحليل الآلية الدقيقة لعمل السلاسل المسيّرة هو العُمدة قبل أن يتخذ المرء قراره.

بدائل السلاسل المسيَّرة

السلاسل المسيرة، وإن كانت حلًّا، أو شيئًا يشبه الحل، لا شك أنها ليست حلًّا مستحكمًا أو مثاليًّا. لذلك فحتى لو طُبّق التحديث، ستبقى الشبكة في حاجة إلى بدائل أصلب وأقوى، وإن كانت ستستغرق سنوات حتى تنضج بما يكفي لتطبيقها في البيتكوين. السلاسل المسيرة تشبه الثقة بنظامٍ فدرالي (كما في شبكة ليكويد)، لكن أعضاءه هم المعدنون، والمعدنون مجموعة متغيرة ومفتوحة، يستطيع أي أحد الانضمام إليها أو الخروج منها، كما أن العضوية فيها مكلفة، لأنها تتطلب قوة حاسوبية. فما هي بدائل السلاسل المسيرة المتاحة؟

  1. أقوى وأهم بديل هو تمكين لغة سمبلستي Simplicity في شبكة البيتكوين. تتيح هذه اللغة كتابة عقود ذكية، وإقامة سلاسل مسيرة، وكتابة براهين صفرية المعرفة–وهذا هو بيت القصيد هنا. تتيح البراهين الصفرية المعرفة إنشاء شبكات جانبية والدخول فيها والخروج منها دون الحاجة إلى الثقة بأحد، لا المعدنون ولا غيرهم. المشكلة الأكبر هنا هي أن اللغة لم تزل في طور التطوير، وأنها لن تنضج حتى تصبح مطروحةً على طاولة البيتكوين قبل عامين على الأقل، أما أنا فأرى أنها لن تُطرح فعليًّا إلا بعد أربعة أعوام على الأقل. هذه اللغة مستعملة في شبكة ليكويد اليوم، وهي لغة قوية التعبير تحقق ميزات كثيرة غير موجودة في البيتكوين اليوم.
  2. شبكة أرك، أو شبكة الفُلك، وهي فرع من شبكة البرق، لكنها ليست بديلًا إلا من حيث أنها تستطيع تحمل استعمال البشرية كلها للبيتكوين في الوقت نفسه. لا تقدم هذه الشبكة أيًّا من الإمكانيات التي قد تقدمها السلاسل المسيرة.
  3. شبكة ليكويد، وهي شبكة فدرالية الإدارة، لكنها مبنية على الثقة بالاتحاد القائم عليها.
  4. شبكات العملات البديلة، وهي كارثة.

حلول أخرى

قد يخطئ البعض فيقول إن بروتوكول RGB بديل من البدائل، لكن الحقيقة أن أصحاب البيتكوين لن يستفيدوا الاستفادة المثلى من هذا البروتوكول إلا بعد إجراء هذا التحديث (أو بعض التحديثات غيره، كالبديل الأول المذكور). في رأيي: الخيار واحد من اثنين: إما السلاسل المسيَّرة (وهي جاهزة الآن للتحديث، لكنها غير مثالية)، أو سمبلستي (وهي غير جاهزة اليوم، لكنها أقرب إلى المثالية).

قدّم بعض المطورين حلولًا أخرى تعتمد على تحديثات أخرى للبيتكوين، لعلّ أهمها Enigma وArk، لكن هذه الحلول ليست بدائل مكافئة للسلاسل المسيرة، لأنها لا تقدم الإمكانات نفسها، وإن كانت مفيدة للتوسيع. قد يمكن كذلك إنشاء سلاسل مسيرة دون تطبيق الاقتراح الأشهر لها، بالاستفادة من تحديثات أخرى في الشبكة، مثل CTV أو غيرها.


ستبقى تحديثات البيتكوين محل أخذ ورد بين المحافظين الذين يريدون الحفاظ على الوضع القائم، رغم ما فيه من قيود، وبين المجدّدين الذين يرون أن القيود الموجودة اليوم تمنع من جعل البيتكوين نقدًا للجميع، وتحدّ بسبب ذلك من قيمته، ومن ثم من سعره. يرى الدكتور مكسيم أرلوفسكي أن السلاسل المسيرة أفضل من لا شيء، وإن كانت ليست حلًّا حقيقيًّا. ويرى غيره أنها مصيبة ستضرّ البيتكوين كثيرًا. فيما يرى المطور البارز فياتجاف أن البيتكوين من دون السلاسل المسيرة في خطر كبير. فما رأيك أنت؟


أعجبك المقال؟

تحويلك يذهب منك مباشرة إلى الكاتب
أحصل على محفظة برق من هنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى