اقتصاد

رويدًا، ثم فجأة

المقالة الأصلية | المؤلف: Parker Lewis | ترجمة: BTCTranslator | تاريخ الكتابة: يوليو 2019

مقدمة

هذه أول حلقة من سلسلة أسبوعية قررت أن أكتبها عن موضوع البيتكوين، مستلهمًا صديقيّ مارتي بنت وسيف الدين عموص. التعليم جانب أساسي في البيتكوين، وأرجو أنني بنشر أفكاري أستطيع أن أساعد الناس ليسرعوا في طريق فهمهم لهذا الموضوع المعقد. سمّيت هذه السلسلة رويدًا، ثمّ فجأة. كما وصف همنغواي طريقه للإفلاس، كذلك وصْفُ تضخم العملات الحكومية، وكذلك وَصْف فهم الناس للبيتكوين (رويدًا، ثم فجأة). ستلتزم الكتابات بالبيتكوين ولكنها ستشمل أيضًا الاحتياطي الفدرالي والاقتصاد المالي لأن هذه المواضيع متداخلة بعمق. وبمقتضى محاولتي للاختصار، ستعبّر هذه السلسلة عن خلاصة أفكاري وآرائي، لا عن كل تفصيل قادني إليها، إنّ نيّتي هي تبصير القارئ بعملية الفكر وتقديم خريطة للآخرين إذا أرادوا أن يتعلموا أكثر. هدفي هو الوصول إلى جمهور أوسع (أوسع من جمهور الذين شكّلوا رحلتي أنا) ومساعدة الناس في محيطي على اكتساب فهم لسبب تركيزنا على البيتكوين. إن الآراء المذكورة في هذه السلسلة آرائي أنا، وليست آراء أنتشيند كابيتال أو زملائي. أتمنى أن تستمتع، وأرجو أن تعود إليّ بملاحظاتك.

البيتكوين مال

أو، بالأحرى، البيتكوين أصبح مالًا (عندي). كانت عملية بطيئة انفتحت فيها سدود كثيرة في ذهني ولكنها بدأت بالسؤال: ما هو المال؟ كان هذا مبدأ حفرة الأرنب الحقيقية. الحقيقية، لا التخمينية، إنني أتطلع إلى بطاقة دخول لحفرة الأرنب التي تعرف فيها أن البلوكتشين تقنية ستغير العالم. على مستوى الجذر، تحاول هذه الحفرة أن تجيب سؤال: «ما الذي جعل الدولار الذي في جيبي مالًا؟» لم يستبدل مئات ملايين الناس قيمتهم التي اجتهدوا لكسبها في العالم الحقيقي، بقطع ورقية (أو تمثيل رقمي لها)؟ إنه سؤال صعب أن تسأله، وأصعب أن تجاوبه، وهو شيء أدركت أن كل أحد يفهمه بطريقة خاصة، وبتوقيت خاص، ومهتديًا بتجارب حياته الخاصة. لا بد أن تكون مهتمًّا بهذا السؤال حتى تبدأ فهم البيتكوين.

ما هو المال؟ هذا السؤال هو بداية الرحلة في جحر الاستكشاف

 

كانت أول خطوة في طريقي هي فهم لماذا كان الذهب مالًا. شمل هذا فهم الخصائص الفريدة التي تجعل الشيء نوعًا أفضل أو أسوأ من المال، ومال الذي يفرق المال بوصفه سلعة اقتصادية فريدة عن بقية أنواع السلع الاقتصادية. كان كتاب معيار البيتكوين تأسيسيًّا وساعدني في استكشاف الأسئلة، لم يكن إنجيلًا بل كان قاعدة للتفكير في المشكلة. عندما طبقت هذه القاعدة على تجارب حياتي وعلى فهمي للنظام المالي الحالي وعيوبه، صارت أمرًا بدهيًّا. وهو أمر قد يكون بدهيًّا (أن البيتكوين مال بالبداهة) للذين قضوا سنين يفكروا فيه من حيث مبادئه المالية، ولكنه حقٌّ أيضًا أن البيتكوين ليس أمرًا بدهيًّا. إنه ليس بدهيًّا مطلقًا، إلى أن يصبح بدهيًّا، ثم مع الوقت يصبح أبده البداهة.

وفي طريقي، وجدت مقارنة البيتكوين بنظامين ماليين ملموسين، هما الذهب والدولار، أمرًا مفيدًا. هل في البيتكوين خصائص الدولار أو الذهب؟ هل البيتكوين أفضل من الدولار أو الذهب؟ لأن الذي يجعل الأشياء مالًا ليس هو الحكم المطلق، بل هو الاختيار بين حفظ القيمة في وسيلة معينة وحفظها في غيرها، وفي كل خيار تنازل عن شيء ما. من دون فهم عيوب النظام المالي القائم (سواء أكان الدولار أو اليورو أو الين أو البوليفار أو البيزو)، لم يكن في مقدوري استنتاج أن البيتكوين مالٌ هكذا من الفراغ.

عندما كنت أعمل في بنك دوتش في أيام الأزمة المالية، لم يكن عندي أساس لفهم ما كان يحدث. بعد عشرة سنين، وبعد العمل على إعادة ترتيب العالم ليصبح صندوقًا وقائيًّا كبيرًا، بدأت أطوّر فهمًا أوضح لما حدث فعلًا في 2008 و2009. وفي بحثي عن الأزمة المالية الكبرى، والاحتياطي الفدرالي، وخصوصًا أثر التيسير الكمي (انظر هنا)، وصلت إلى استنتاجي الرئيسي، وهو أن المشكلة الأساسية كانت أن النظام المالي رُفع تقريبًا بنسبة 150 إلى 1 (دين كثير ودولارات قليلة)، وأن درجة الرفع المجنونة لم تكن ممكنة من دون سياسة الاحتياطي الفدرالي التي منعت باستمرار إزالة الرفع عن النظام على مدى العقود الثلاثة السابقة للأزمة. ثم، اتضح لي أن الحل (التيسير الكمي) لم يسبب إلا انتشار نظام الدين الذي لا يمكن الحفاظ عليه، في السنين العشرة القادمة، وهو ما يجعل التيسير الكمي في المستقبل أمرًا لا مناص منه. وأصبحت مقتنعًا، أنه سواءٌ أبقي البيتكوين أم ذهب، فإن النظام المالي القائم يعمل في وقت مستعار، وأنه بطريقة أو بأخرى، سيكون شيء ما غيره هو الطريق الذي لا بد منه.

“لقد بات واضحاً أن الحل (التيسير الكمي) لم يتسبب إلا في توسع نظام ائتماني غير مستدام على مدى السنوات العشر اللاحقة، الأمر الذي جعل التيسير الكمي في المستقبل أمراً حتميا”.

 

 

ثم، اكتشفت أن للبيتكوين معروضًا ثابتًا. إن فهم المعروض الثابت وكيفيته وما الذي جعله ممكنًا، هو أساس فهم البيتكوين مالًا. إن هذا الفهم يتطلب استثمارًا شخصيًّا كبيرًا في فهم كيف حُبكت الدوافع الاقتصادية مع بنيان البيتكوين التقني، وأنه يستحيل تزوير البيتكوين أو نسخه (أو، بالأحرى، أنّ دوافع التعاون قوية جدًّا وتكلفة الفرصة البديلة عالية جدًّا). إنه طريق طويل، ولكنه يقود في النهاية إلى فهم أن شبكة عالمية من الفاعلين الاقتصاديين العقلانيين، تعمل في نظام عملة طوعي لا إكراه فيه، لن تُجمع كلها على بخس العملة التي اختار هؤلاء الفاعلون كل واحد منهم باستقلال ومن تلقاء نفسه أن يستعملها مخزنًا لثروته. إن هذه الحقيقية (أو نظام الاعتقاد) يعزز ويدعم الدوافع الاقتصادية للبيتكوين، وبنيانه التقني، وأثر شبكته.

فالأمر ليس أن كودًا برمجيًّا حكَم أنه لن يكون في الوجود إلا 21 مليون بيتكوين، بل هو فهم أن هذه السياسة المالية قوية وصادقة، وكيف استطاعت شبكة البيتكوين تحقيق الندرة التي يمكن التثبّت منها. لا يمكن أن يحدث هذا بين ليلة وضحاها لفرد واحد. ولا يمكن أن تشرحه لأحد في حفلة كوكتيل. إنه حقيقة تتعزز وتتقوى مع الوقت بالعيش في بنية الدوافع ورؤيتها تعمل مرة بعد أخرى، كل عشرة دقائق (بالمتوسط). فإذا بعد ذلك قورن هذا بكيفية عمل نظام البيتكوين أو حتى بأسس الذهب، عُلم أن البيتكوين مالٌ بالبداهة.

“البيتكوين موجود كحل لمشكلة المال التي هي التيسير الكمي العالمي”

 

والخلاصة، إذا أردت أن تفهم البيتكوين مالًا، فابدأ بالذهب والدولار والاحتياطي الفدرالي والتيسير الكمي، واعلم لم ثُبّت معروض البيتكوين. المال ليس مجرد هلوسة جمعية أو نظام اعتقاد، بل إن فيه نغمة وتعقّلًا. البيتكوين حلٌّ لمشكلة المال التي هي التيسير الكمي العالمي، وإذا كنت تعتقد أن تدهور العملات في تركيا أو الأرجنتين أو فنزويلا لن يحدث للدولار الأمريكي أو الدول المتقدمة، فما أنا وأنت إلا نقطتان مختلفتان على الخط نفسه. ستدرك خطأك مع الوقت. يمثل البيتكوين بنية مختلفة أساسًا، وطريقًا أمتَن إلى الأمام، ولكن عليك أن تفهم أين كنا، وكيف أصبحنا هنا، لتعرف ما الذي يجري.

كتب حايك عن آلية الأسعار وأعظم توزيع للمعرفة في العالم في (استعمال المعرفة في المجتمع). عندما يتلاعب بمعروض المال، يُفسد ذلك آليات التسعير العالمية التي تقدّم حالئذ معلومات فاسدة في النظام الاقتصادي. فإذا استمر هذا التلاعب 30-40 سنة، تنشأ اختلالات كثيرة في النشاط الاقتصادي الأساس، وهو المكان الذي نحن فيه اليوم. في النهاية، إخفاق الذهب هو الدولار، وإخفاق الدولار هو الفساد الاقتصادي الذي أدى إليه، الذي يزيد طينه بلّة التيسير الكمي. أما وعد البيتكوين فهو حلّ المشكلتين معًا. لأن معروض البيتكوين ثابت ولا يمكن التلاعب به، سبصبح في النهاية أقوى آلية تسعير في العالم، ومن ثمّ أعظم نظام توزيع للمعرفة. إن التقلّب الذي نراه اليوم ليس إلا الطريق المنطقي لاكتشاف السعر، مع زيادة اعتماد البيتكوين من حيث الحجم، وممع تقدمنا نحو حالة من الاعتماد الكامل في المستقبل.

يسخر اقتصاديو المنظومة القائمة من تقلب البيتكوين، كأن في الإمكان أن يتحول البيتكوين من أمر معدوم إلى شكل مستقر للمال بين ليلة وضحاها، إنه قول سخيف تمامًا.

فيجاي بوياباتي على SLP

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights