مجتمع وثقافة

محاربة الاستعمار المالي بالبيتكوين

لم تزل فرنسا تستعمل الاستعمار المالي لاستغلال خمسة عشر بلدًا إفريقيًّا، هل يشكّل البيتكوين المخرج؟

المقالة الأصلية | المؤلف: Alex Gladstein | ترجمة: NoorSudan Hodl | مراجعة: The BTC Translator | تاريخ الكتابة: يونيو 2021

في خريف عام 1993، كانت عائلة الشاب فودي ديوب تدخر من أجل مستقبله. كان فودي شابًّا ذكيًّا يبلغ من العمر 18 عامًا يعيش في السنغال، أمامه طريق مشرق كلاعب كرة سلة ومهندس. ساعده والده المعلّم في المدرسة في العثور على الإلهام في أجهزة الكمبيوتر والتواصل مع العالم من حوله. وساعدته مواهبه الرياضية على الحصول على مِنَح دراسية في أوروبا والولايات المتحدة.

لكن عندما استيقظ صباح 12 يناير 1994، تغير كل شيء. بين ليلة وضحاها، فقدت عائلة فودي نصف مدخراتها. لم يكن السبب سرقةً أو سطوًا على البنوك أو إفلاس شركة ولكن بخسًا لقيمة العملة، فرضَتْه قوة أجنبية مقرها على بعد 5000 كيلومتر من السنغال.

في الليلة السابقة، التقى المسؤولون الفرنسيون مع المسؤولين الأفارقة في داكار لمناقشة مصير “فرنك مجتمع إفريقيا الفرنسي”، المعروف على نطاق واسع باسم الفرنك الإفريقي أو “سيفا” باختصار. طول حياة فودي، كان فرنك سيفا مربوطًا بالفرنك الفرنسي بمعدل 1 إلى 50، ولكن عندما انتهى الاجتماع في وقت متأخر من الليل، أُعلن في منتصف الليل أن القيمة الجديدة هي بمعدل 1 إلى 100.

المهزلة الوقحة هي أن المصير الاقتصادي لملايين السنغاليين كان خارج أيديهم تمامًا. وكان التخلص من الأسياد الاقتصاديين مستحيلًا تمامًا مهما زادت الاحتجاجات. لعقود طويلة، جاء رؤساء ومستعمرون وذهبوا، لكن الترتيب المالي الأساسي لم يتغير أبدًا. لم يكن النظام نظام عملة ورقية عاديًّا، بل كان أمكر وأشدّ غدرًا. كان نظام استعمار مالي.

آليّات نظام الفرنك الإفريقي

في الكتاب المنير للبصيرة، “آخر عملة استعمارية لإفريقيا: قصة الفرنك الإفريقي“، يروي الباحثان الاقتصاديان فاني بيجود وندونغو سامباسيلا التاريخ المأساوي، بل الصادم أحيانًا، للفرنك الإفريقي.

استعمرت فرنسا، مثل القوات الأوروبية الأخرى، العديد من الدول حول العالم في أوجها الإمبراطوري، بوحشية في كثير من الأحيان. بعد احتلال ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، بدأ تفكك “الإمبراطورية الفرنسية الاستعمارية”. حارب الفرنسيون للحفاظ على مستعمراتهم، فخلّفوا جرّاء ذلك خسائر بشرية هائلة. على الرغم من سلسلة حروب عالمية مكلفة، فقدت الإمبراطورية الفرنسية الهند الصينية، ثم سوريا ولبنان، وفي النهاية، الأراضي الفرنسية في شمال إفريقيا، ومنها المستعمرة الاستيطانية الغنية بالنفط والغاز: الجزائر. لكن فرنسا كانت مصممة على ألا تفقد أراضيها في غرب إفريقيا ووسطها. فقد وفرت هذه القوى البشرية العسكرية خلال الحربين العالميتين وقدمت ثروة من الموارد الطبيعية كاليورانيوم والكاكاو والأخشاب والبوكسيت اغتنت بها العاصمة الفرنسية.

مع اقتراب عام 1960، أصبح إنهاء الاستعمار أمرًا لا مفر منه. توحدت أوروبا في فك ارتباطها بإفريقيا بعد سنين طويلة من النهب. لكن السلطات الفرنسية أدركت أن بإمكانها أكل الكعكة والاحتفاظ بها معًا، إذا هي تنازلت عن السيطرة السياسية وأبقت على السيطرة النقدية.

لا يزال هذا الميراث قائماً حتى اليوم في 15 دولة تستعمل اللغة الفرنسية وتستخدم عملة تسيطر عليها باريس: السنغال، مالي، ساحل العاج، غينيا بيساو، توغو، بنين، بوركينا فاسو، النيجر، الكاميرون، تشاد، الجمهورية الإفريقية الوسطى، الجابون، غينيا الاستوائية، وجمهورية الكونغو، وجزر القمر. في عام 2021، لا يزال الفرنسيون يمارسون السيطرة النقدية على أكثر من 2.5 مليون كيلومتر مربع من الأراضي الإفريقية، وهي مساحة تكافئ 80٪ من مساحة الهند.

بدأت فرنسا إنهاء الاستعمار رسميًا في عام 1956 عن طريق قانون “لا لوا كادر ديفير” (قانون الإصلاح)، وهو تشريع يمنح المستعمرات مزيدًا من الاستقلالية والحرية لإنشاء المؤسسات الديمقراطية وحقوق الاقتراع العام. وفي عام 1958، تم تعديل الدستور الفرنسي لتأسيس “لا كوميونيتي” (المجتمع): مجموعة مستقلة من أقاليم ما وراء البحار ذات الإدارة الديمقراطية. قام الرئيس شارل ديغول بجولة في المستعمرات في غرب ووسط إفريقيا لتخييرها بين حل الحكم الذاتي دون الاستقلال، من خلال “المجتمع” وبين الاستقلال التام الفوري. وأوضح أن الخيار الأول سيأتي بمنافع واستقرار، والخيار الثاني سيجرّ مخاطر وفوضى.

في عام 1960، كان عدد سكان فرنسا -وهو ٤٠ مليون نسمة- أكبر من عدد سكان دول مجتمع إفريقيا الفرنسي الخمس عشرة -وهو ٣٠ مليون نسمة-. أما اليوم، فيعيش 67 مليون نسمة في فرنسا و183 مليونًا في دول المجتمع. وحسب توقعات الأمم المتحدة، بحلول العام 2100، سيكون لدى فرنسا 74 مليون نسمة، ولدى دول المجتمع أكثر من 800 مليون. فإذا نظرنا إلى أن فرنسا لم تزل على رأس المصير المالي لهذه البلدان، رأينا أن الوضع شبيه بالفصل العنصري الاقتصادي.

كان الفرنك الإفريقي في أول أمره عام 1945، يساوي 1.7 فرنك فرنسي. في عام 1948، تم تعزيزه إلى 2 فرنك فرنسي. ولكن مع الوقت رُبط الفرنك الإفريقي باليورو في نهاية التسعينيات، فأصبح يساوي 0.01 فرنك فرنسي. وهو بَخْس إجمالي لقيمة العملة بنسبة 99.5٪. في كل مرة خفضت فيها فرنسا قيمة الفرنك الإفريقي، زادت قوتها الشرائية مقابل مستعمراتها السابقة، وزادت تكلفة استيراد السلع الحيوية عليهم. في عام 1992، استطاع الشعب الفرنسي التصويت على تبني اليورو من خلال استفتاء وطني. أما دول مجتمع إفريقيا الفرنسي فحُرمت من أي حق تصويت، واستُبعدت من المفاوضات التي رُبطت فيها أموالهم بعملة جديدة.

تطورت آلية المجتمع الفرنسي منذ إنشائه، لكن وظائفه الأساسية وطرائق استغلاله لم تتغير. يصف بيغود وسيلا هذه الوظائف والطرائق بـ “نظرية التبعية”، إذ “تُستنْزَف موارد الدول النامية المحيطية باستمرار لصالح الدول الغنية… ولا تستثمر الدول الغنية في الدول فقيرة الدخل لجعلها أكثر ثراءً … [هذا] الاستغلال تطور بمرور الوقت من أنظمة العبودية الوحشية إلى وسائل أكثر تعقيدًا وأقل وضوحًا للحفاظ على العبودية السياسية والاقتصادية “.

تخدم ثلاثة بنوك مركزية اليوم دول المجتمع الفرنسي الخمس عشرة: البنك المركزي لدول غرب إفريقيا (BCEAO)، وبنك دول إفريقيا الوسطى (BEAC)، والبنك المركزي لجزر القمر (BCC). تحتفظ البنوك المركزية باحتياطات النقد الأجنبي (أي المدخرات الوطنية) للدول الفردية في منطقتها، التي يجب أن تُبقي على نسبة مذهلة تبلغ 50٪ لدى الخزانة الفرنسية. هذا الرقم، رغم ارتفاعه، هو نتيجة مفاوضات تاريخية. في الأصل، كان على المستعمرات السابقة الاحتفاظ بنسبة 100٪ من احتياطاتها في فرنسا، ثم في سبعينيات القرن الماضي، اكتسبت حق السيطرة على بعضها والتنازل عن 65٪ “فقط” لباريس. ليس لدول مجتمع إفريقيا الفرنسي أي سلطة على احتياطاتها المخزنة في الخارج. في الواقع، لا تعرف هذه الدول أصلًا كيف تنفَق أموالها. وفي الوقت نفسه، تعرف باريس بالتفصيل كيف تُنفَق أموال كل دولة من دول المجتمع الفرنسي حيث تدير “حسابات تشغيل” لكل بلد عن طريق البنوك المركزية الثلاثة.

على سبيل المثال عندما تبيع شركة من ساحل العاج قهوة قيمتها مليون دولار لمشتر صيني، يُبدَّل اليوان من المشتري باليورو في سوق العملات الفرنسية. ثم تستودع الخزانة الفرنسية اليورو وتضيف المبلغ بالفرنك الإفريقي إلى حساب الدين لساحل العاج في BCEAO، ثم تحول بعد ذلك إلى حساب صانع القهوة محليًا. كل الخطوات تمر عبر باريس. وفقًا لـ بيغود وسيلا، لا تزال فرنسا تصنع جميع العملات الورقية والعملات المعدنية المستخدمة في دول المجتمع الفرنسي، وتتقاضى 45 مليون يورو سنويًا مقابل الخدمة وهي أصلًا تمتلك 90 ٪ من احتياطي الذهب لهذه الدول، حوالي 36.5 طنًا.

يمنح نظام المجتمع الفرنسي خمس ميزات رئيسية للحكومة الفرنسية: مزيدًا من الاحتياطات تحت تصرفها، وأسواقًا كبيرة للصادرات الغالية و الواردات الرخيصة، وقدرةً على شراء المعادن الاستراتيجية بعملتها المحلية دون استنزاف احتياطاتها، وقروضًا ملائمة عندما تكون دول المجتمع الفرنسي في حالة ائتمان، ومعدلات فائدة مناسبة عندما تكون الدول مدينة (لفترات من التاريخ، تجاوز معدل التضخم الفرنسي معدل فائدة القرض، أي إن فرنسا كانت تجبر دول مجتمع إفريقيا الفرنسي على دفع رسوم لتخزين احتياطاتها في الخارج)، وأخيراً، القرض المزدوج، الذي تقترض بموجبه دولة من دول المجتمع الفرنسي أموالاً من فرنسا، وفي سعيها لاستعمال رأس المال، ليس أمامها خيار إلا أن تتعاقد مع شركات فرنسية بسبب ظروف الاقتصاد الكلي السيئة. فيعود أصل القرض إلى فرنسا على الفور ولكن الدولة الإفريقية تبقى مُثقلة بأصل الدين والفائدة.

هذا يؤدي إلى ظاهرة شبيهة بـ”إعادة تدوير البترودولار” (التي تحصل فيها المملكة العربية السعودية على دولارات من مبيعاتها النفطية، لتستثمرها مرة أخرى في سندات الخزانة الأمريكية)، حيث كان مصدرو دول المجتمع الفرنسي يبيعون المواد الخام لفرنسا تاريخيًا، ويجمع البنك المركزي الإقليمي جزءًا من العائدات ليستثمرها مرة أخرى في ديون البلد الأمّ من خلال ديون الحكومات الفرنسية أو الأوروبية اليوم. ثم عندنا الصرافة الانتقائية للفرنك الإفريقي. يمكن للشركات بسهولة بيع الفرنك الإفريقي مقابل اليورو اليوم (والفرنك الفرنسي سابقًا)، ولكن لا يمكن للمواطنين الذين يحملون الفرنك الإفريقي خارج منطقة البنك المركزي تصريفه رسميًا في أي مكان. فالفرنك تقريبًا عديم الفائدة مثله مثل الطوابع البريدية. فإذا أرادت مواطنة من ساحل العاج مغادرة بلدها، وجب عليها أوّلًا تصريف أموالها باليورو، لتختلس الخزانة الفرنسية والبنك المركزي الأوروبي منها أجر الصكّ من خلال سعر الصرف.

القمع النقدي هو أن فرنسا تجبر دول المجتمع الفرنسي على الاحتفاظ بكمية ضخمة من الاحتياطيات في الخزائن الباريسية، وهو ما يمنع الأفارقة من تأسيس ائتمان محلي. فتضطر البنوك المركزية المحلية الإفريقية إلى إقراض القليل جدًا بمعدلات عالية جدًا، بدلاً من إقراض المزيد بمعدلات منخفضة. فتجبر دول المجتمع الفرنسي على شراء الديون الفرنسية أو الأوروبية باحتياطاتها الاستراتيجية.

وأدهَش الأشياء هو مزيّة حق الرفض الأول على الواردات والصادرات. إذا كنت منتج قطن في مالي، فيجب عليك أولًا عرض بضائعك على فرنسا، قبل أن تذهب إلى الأسواق الدولية. أو إذا كنت في بنين وتريد بناء مشروع بنية تحتية جديد، فيجب أن تفكر في المناقصات الفرنسية قبل غيرها. كان هذا يعني تاريخيًّا أن فرنسا كانت قادرة على الوصول إلى سلع أرخص من السوق من مستعمراتها السابقة، وبيع سلعها وخدماتها بأسعار أعلى من السوق.

يسمي بيغود وسيلا هذه الظاهرة استمرار “الميثاق الاستعماري”، الذي قام على أربعة مبادئ أساسية: “منع المستعمرات من التصنيع، وإجبارها على تزويد البلد الأم (فرنسا) بالمواد الخام لكي تحولها إلى منتجات ثم تبيعها مرة أخرى للمستعمرات نفسها، حق البلد الأم (فرنسا) باحتكار الصادرات والواردات الاستعمارية وحقها أيضًا باحتكار شحن منتجات المستعمرات إلى الخارج، وأخيرًا، تفضيل البلد الأم لمنتجات المستعمرات”.

والنتيجة، حالةٌ “تتوفر فيها احتياطات القطع الأجنبي مع البنوك المركزية، وتدفَع عليها فوائد سلبية، فتحتفظ البنوك التجارية بسيولة زائدة، ويحصَّص الوصول إلى ائتمان المنازل والشركات، وتُلزَم فيها الدول بازدياد على الالتزام بديون بعملات أجنبية عليها نسب فائدة عالية لا يمكن دفعها، وهو ما يزيد هروب رؤوس الأموال أكثر.

اليوم، أصبح نظام المجتمع الفرنسي “إفريقيًا”، أي إن العملات الورقية المحلية تُظهر الثقافة الإفريقية ونباتات إفريقيا وحيواناتها، وتقع البنوك المركزية في داكار وياوندي وموروني ولكن هذه تغييرات سطحية. لا تزال الأوراق النقدية تُصنع في باريس، ولا تزال السلطات الفرنسية تدير حسابات التشغيل، ولا يزال المسؤولون الفرنسيون أعضاءً في مجالس الإدارة للبنوك المركزية المحلية ويملكون حق النقض (الفيتو). إنه وضع ملفت، يتخذ قرارات مواطن الغابون فيه موظّف فرنسي نيابة عنه. تمامًا كما لو كان لدى البنك المركزي الأوروبي أو الاحتياطي الفيدرالي مسؤولون من اليابان أو روسيا يقررون نيابة عن الأوروبيين والأمريكيين.

تاريخيا عمل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بالتنسيق مع فرنسا لفرض نظام مجتمع إفريقيا الفرنسي وقلّما انتقد طبيعته الاستغلالية. في الواقع، قضى نظام بريتون وودز بعد الحرب العالمية الثانية، الذي قاد فيه الأمريكيون البنك الدولي والأوروبيون صندوق النقد الدولي، بأن منصب المدير العام لصندوق النقد الدولي محجوز غالبًا لمسؤول فرنسي، وتشغله اليوم الفرنسية كريستين لاغارد. مع مرور السنين، ساعد صندوق النقد الدولي فرنسا في الضغط على دول مجتمع إفريقيا الفرنسي لمتابعة سياساتها. كان المثال البارز في أوائل التسعينيات، عندما رفض ساحل العاج تخفيض قيمة عملته، لكن أصر الفرنسيون على هذا ذلك. يقول بيغورد وسيلا: “في نهاية عام 1991، رفض صندوق النقد الدولي إقراض المال لساحل العاج، وعرض على البلد خيارين. فإما أن تسدد الدولة الديون المتعاقد عليها مع الصندوق وإما ان تقبل بتخفيض قيمة العملة “. وخضعت ساحل العاج ودول الاتحاد المالي الإفريقي الأخرى ووافقت على تخفيض قيمة العملة بعد ثلاث سنوات.

دعمُ المسؤولون الفرنسيون gلطغاة في دول المجتمع الفرنسي على مدى العقود الستة الماضية مناقضةٌ للقيم المدنية التي بنيت عليها فرنسا: “الحرية، والمساواة، والإخاء”. على سبيل المثال، قضى ثلاثة طغاة -هم عمر بونغو في الغابون، وبول بيا في الكاميرون، وغناسينغبي إياديما في توغو- 120 عامًا في السلطة مجتمعين. كانت شعوبهم تريد طردهم من مناصبهم لو لم يقدم الفرنسيون المال والأسلحة والغطاء الدبلوماسي لهم. ذكر بيغورد وسيلا أن باريس في 1960 و1991، “نفذت ما يقرب من 40 تدخلاً عسكريًا في 16 دولة للدفاع عن مصالحها”. هذا الرقم هو بالتأكيد أعلى اليوم.

بمرور الوقت، سمح نظام المجتمع الفرنسي لفرنسا باستغلال موارد وعمالة دول المجتمع الفرنسي ومنع تراكم رأس المال وتطوير الاقتصاد ونمو الصادرات. هذا سبب كارثه على التنمية البشرية.

اليوم يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي المعدل حسب التضخم في ساحل العاج (بالدولار) حوالي 1700 دولار، مقارنة بـ 2500 دولار في أواخر السبعينيات. في السنغال، لم يتجاوز نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي المعدل حسب التضخم المرتفعات التي بلغها في الستينيات حتى عام 2017. كما لاحظ بيغورد وسيلا، “سجلت 10 ولايات في منطقة الفرنك أعلى مستوياتها من متوسط ​​الدخل قبل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. في الأربعين سنة الماضية، تدهور متوسط ​​القوة الشرائية في كل مكان تقريبًا. في الغابون، تم تسجيل أعلى متوسط ​​دخل في عام 1976، أقل بقليل من 20000 دولار. بعد أربعين عامًا، تقلص الى النصف. انضمت غينيا بيساو إلى [نظام المجتمع الفرنسي] في عام 1997، وهو العام الذي سجلت فيه ذروة متوسط ​​دخلها. بعد 19 عامًا، انخفض بنسبة 20٪ “.

تعتبر الأمم المتحدة أن دول المجتمع الفرنسي العشر من الدول “الأقل نمواً”، إلى جانب دول مثل هايتي واليمن وأفغانستان. في تصنيفات دولية مختلفة، صُنّفت النيجر وجمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد وغينيا بيساو من أفقر البلدان في العالم. تحتفظ فرنسا بنسخة متطرفة مما سماه ألين فارينجتون “منجم سلب رؤوس الأموال“.

لخص السياسي السنغالي أمادو لامين غيي نظام المجتمع الفرنسي بأنه نظام على المواطنين فيه “واجبات فقط وليس لهم حقوق”، وأن “مهمة الأراضي المستعمَرة هي الإنتاج الكثير، وإنتاج ما يتجاوز احتياجاتهم الخاصة، والإنتاج على حسابهم. من أجل رفع المستوى المعيشي لفرنسا وتأمين الإمدادات لها”. بالطبع، تقاوم فرنسا هذا الوصف وترفضه. كما قال وزير الاقتصاد الفرنسي ميشيل سابين في أبريل 2017، “فرنسا موجودة هناك كصديق”.

قد يسأل القارئ: هل تقاوم الدول الإفريقية هذا الاستغلال؟ الجواب هو نعم، لكنهم يدفعون ثمناً باهظاً. أدرك القادة القوميون الأوائل من حقبة الاستقلال الإفريقي القيمة الحاسمة للحرية الاقتصادية.

صرّح كوامي نكروما في عام 1963: “ليس الاستقلال سوى مقدمة لنضال جديد وأكثر تعقيدًا من أجل الحق في إدارة شؤوننا الاقتصادية والاجتماعية [..] دون عائق من سحق وإهانة السيطرة والتدخل الاستعماري الجديد”. الحركة التي جعلت من غانا أول دولة مستقلة في إفريقيا جنوب الصحراء. لكن على مدار تاريخ منطقة المجتمع الفرنسي كان تصرف القادة الوطنيين الذين واجهوا السلطات الفرنسية سيّئًا.

في عام 1958 حاولت غينيا المطالبة باستقلالها النقدي. في خطاب شهير، قال القومي المشاغب سيكو توري لشارل ديغول الزائر: “نفضل الفقر في الحرية على البذخ في العبودية”، وبعد فترة قليله غادر نظام المجتمع الفرنسي. وفقًا للواشنطن بوست، “ردًّا على الانسحاب، وتحذيرًا للمناطق الأخرى الناطقة بالفرنسية، انسحب الفرنسيون من غينيا خلال فترة شهرين، وأخذوا معهم كل ما في وسعهم. فكّوا مصابيح الكهرباء، وأزالوا مخططات خطوط أنابيب الصرف الصحي في العاصمة كوناكري، وأحرقوا الأدوية لئلا يتركوها للغينيين “.

 ثم أطلق الفرنسيون عملية برسيل  الانتقامية لزعزعة الاستقرار، حيث قامت المخابرات الفرنسية وفقًا لبيغورد وسيلا بتزوير كميات ضخمة من الأوراق النقدية الغينية الجديدة ثم سكبها سكبًا جماعيًّا في البلاد.  وهو ما سبب “انهيار الاقتصاد الغيني”. تحطمت آمال البلاد الديمقراطية ومواردها المالية، وتمكن توري من ترسيخ سلطته في الفوضى وبدء حكمه الوحشي الذي طال 26 عامًا.

في يونيو 1962 ، أعلن زعيم الاستقلال المالي موديبو كيتا أن مالي ستغادر المجتمع الفرنسي لسك عملتها الخاصة. وأوضح كيتا بالتفصيل أسباب هذه الخطوة، مثل التبعية الاقتصادية المفرطة (80٪ من واردات مالي تأتي من فرنسا)، وتركيز سلطات اتخاذ القرار في باريس، وتوقف التنويع الاقتصادي والنمو.

وقال عن الوضع الحالي “صحيح أن رياح إنهاء الاستعمار قد مرت على الصرح القديم ولكنها لم تهزه كثيرا”. رداً على ذلك، جعلت الحكومة الفرنسية الفرنك المالي غير قابل للصرف. فجرّ ذلك أزمة اقتصادية عميقة، وأطيح بكيتا في انقلاب عسكري في عام 1968. فاختارت مالي العودة للمجتمع الفرنسي لكن الفرنسيين فرضوا تخفيضين لقيمة الفرنك المالي شرطًا للرجوع، ولم يسمحوا بالعودة مرة أخرى. حتى 1984.

في عام 1969، طلب الرئيس حماني ديوري النيجري ترتيبًا أكثر “مرونة”، لتتمتع بلاده باستقلال نقدي أكبر، لكن الفرنسيين رفضوا. وهددوه بوقف دفع ثمن اليورانيوم الذي كانوا يحصدونه من مناجم الصحراء، الذي يمنح فرنسا الاستقلال في مجال الطاقة من خلال الطاقة النووية. بعد ست سنوات، أطاح الجنرال سين كونتشي بحكومة ديوري، قبل ثلاثة أيام من الاجتماع المخطط لإعادة التفاوض لسعر اليورانيوم النيجيري. أراد ديوري رفع الثمن، لكن السادة المستعمرين اختلفوا معه. كان الجيش الفرنسي متمركزًا في مكان قريب أثناء الانقلاب، لكنه، كما ذكر بيغود وسيلا، لم يحرك ساكنًا.

في عام 1985، سُئل القائد العسكري الثوري توماس سانكارا من بوركينا فاسو في مقابلة، “هل الفرنك الإفريقي سلاح للهيمنة على إفريقيا؟ هل تخطط بوركينا فاسو لمواصلة تحمل هذا العبء؟ لماذا يحتاج الفلاح الإفريقي في قريته إلى عملة قابلة للصرف؟ ” أجاب سنكارا: “لا يهم الفلاح الإفريقي إذا كانت عملته قابلة للصرف أو لا، فقد انغمس ضد إرادته في نظام اقتصادي لا حول له ولا قوة ضده “.

اغتيل سانكارا بعد ذلك بعامين على يد صديقه المقرب والثاني في القيادة، بليز كومباوري. لم تعقد محاكمة للتحقيق عن الجريمة. بل استولى كومباوري على السلطة والحكم حتى عام 2014، وكان خادمًا مخلصًا ووحشيًا لنظام المجتمع الفرنسي.

نضال فريدة نامبوريما في سبيل الحرية المالية التوغولية

في كانون الأول (ديسمبر) 1962، قرر أول زعيم توغولي بعد الاستعمار سيلفانوس أوليمبيو إنشاء بنك توغو المركزي والفرنك التوغولي. لكن في صباح يوم 13 يناير / كانون الثاني 1963، قبل أيام من اقترابه من هذا الانتقال، قُتل برصاص جنود توغوليين كانوا قد تدربوا في فرنسا. كان نياسيجبي إياديما أحد الجنود الذين ارتكبوا الجريمة. استولى لاحقًا على السلطة وأصبح دكتاتور توغو بدعم فرنسي كامل، وحكم لأكثر من خمسة عقود وروج للفرنك الإفريقي حتى وفاته في 2005. ابنه يحكم حتى يومنا هذا. لم يحكَم في قضية جريمة قتل أوليمبيو.

لطالما شاركت عائلة فريدة نابوريما في النضال من أجل حقوق الإنسان في توغو. كان والدها زعيما نشطا للمعارضة وقبض عليه وأصبح سجينًا سياسيًّا. كان معارضًا للفرنسيين خلال الحقبة الاستعمارية. اليوم، فريدة شخصية بارزة في الحركة الديمقراطية في البلاد.

كانت فريدة تبلغ من العمر 15 عامًا عندما علمت أن تاريخ دكتاتورية توغو متشابك مع الفرنك الإفريقي. في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت قد بدأت في مساءلة والدها، وطرحت عليه أسئلة حول تاريخ بلدها. فاستفسرت من أبيها “لماذا اغتيل رئيسنا الأول بعد سنوات قليلة من استقلالنا؟”.

فأجابها والدها: “لأنه قاوم الفرنك الإفريقي”

في عام 1962، بدأ أولمبيو التحرك نحو الاستقلال المالي والانقسام عن فرنسا. صوت البرلمان لصالح هذا التحول، وإنشاء فرنك توغولي والاحتفاظ بالاحتياطات في البنك المركزي الخاص بهم. صُدمت فريدة عندما علمت أن أوليمبيو اغتيل قبل يومين فقط من موعد مغادرة توغو للمجتمع الفرنسي. على حد تعبيرها: “اعتُبر قراره بالسعي إلى الحرية النقدية إهانة للهيمنة في إفريقيا الفرنكوفونية. كانوا خائفين من أن يتبعهم الآخرون “.

 في يومنا هذه تقول فريدة إن نظام المجتمع الفرنسي هو السبب الرئيس للسعي إلى الحرية، بالنسبة إلى كثير من النشطاء في توغو، “هذا ما يحرّك الكثيرين في المعارضة”.

الأسباب واضحة. قالت فريدة إن فرنسا تحتفظ بأكثر من نصف احتياطيات توغو في بنوكها، حيث لا يتمتع شعب توغو بأي رقابة على كيفية إنفاق هذه الاحتياطيات. في كثير من الأحيان، يتم استخدام هذه الاحتياطيات، التي يكسبها التوغوليون، لشراء الديون الفرنسية لتمويل أنشطة الشعب الفرنسي. غالبًا ما يتم إقراض هذه الأموال للسيادة الاستعمارية بعائد حقيقي سلبي. يدفع التوغوليون لباريس مقابل الاحتفاظ بأموالهم من أجلهم، وفي ذات الوقت يمولون المستويات المعيشية للشعب الفرنسي.

في عام 1994، أثر على التوغوليين بشدة بخس العملة الذي سرق مدخرات عائلة فودي ديوب في السنغال، لأنه سبب زيادة هائلة للدين الوطني، وخفض التمويل العام للبنية التحتية المحلية ومحاربة الفقر.

قالت فريدة: “تذكر، إن حكومتنا مجبرة على منح الأولوية للاحتفاظ باحتياطاتنا في البنك الفرنسي على الإنفاق في بلادنا، لذلك عندما تأتي أزمة، علينا أن نحط من قدر أنفسنا، لضمان وجود مبلغ مناسب من النقد في أيدي الباريسيين. “

هذا يخلق مناخًا من التبعية حيث يضطر التوغوليون إلى شحن المواد الخام إلى الخارج وإحضار السلع التامة الصنع دون حفر طريقها المستقل.

قالت فريدة إنه منذ حوالي 10 سنوات، اكتسبت الحركة المناهضة للمجتمع الفرنسي مزيدًا من الدعم. بفضل الهواتف الجوالة ووسائل التواصل الاجتماعي، تمكن الناس من الاتحاد والتنظيم بطريقة لامركزية. قالت إنها اعتادت أن يكون سكان ساحل العاج والتوغو يكافحون بشكل منفصل، لكن الآن هناك جهد إقليمي بين النشطاء.

لسنوات طويله ظهرت فكرة العملة “البيئية” لجميع دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس)، من ضمنها القوات الاقتصادية الإقليمية نيجيريا وغانا. قالت فريدة إن الفرنسيين حاولوا اختطاف هذه الخطة، وجعلوها وسيلة لتوسيع إمبراطوريتهم المالية. في عام 2013، شكل الرئيس آنذاك فرانسوا هولاند لجنة أنشأت وثيقة للمستقبل الفرنسي في إفريقيا. وذُكر في هذه اللجنة أنه من الضروري إشراك البلدان الناطقة بالإنجليزية مثل غانا.

تحاول إدارة إيمانويل ماكرون الآن إعادة تسمية الفرنك الإفريقي إلى الإيكو (BCEAO)، في عملية مستمرة لصبغ النظام الاستعماري المالي الفرنسية بصبغة إفريقية. تراجعت نيجيريا وغانا عن مشروع Eco، لأنهم أدركوا أن الفرنسيين سيستمرون في السيطرة. لم يحدث شيء رسمي حتى الآن، ولكن البلدان التي يديرها حاليًا البنك المركزي لدول غرب إفريقيا (BCEAO) تسير على الطريق الصحيح للتحول إلى هذه العملة الاقتصادية بحلول عام 2027. سيظل لدى الفرنسيين قدرة اتخاذ القرار، ولا توجد أي خطط رسمية لتقويم المصرفية المركزية في دول المجتمع الفرنسي أو في جزر القمر.

قالت فريدة: “إنها قمة النفاق من قبل القادة الفرنسيين مثل ماكرون أن يذهبوا إلى مؤتمرات دافوس ويقولوا إنهم أنهوا الاستعمار، وهم في الحقيقة يحاولون توسيعه”.

وقالت إنه في الأصل تم إنشاء الفرنك الإفريقي على أساس خطة العملة المستخدمة من قبل المحتلين النازيين لفرنسا. خلال الحرب العالمية الثانية، أنشأت ألمانيا عملة وطنية للمستعمرات الفرنسية حتى تتمكن بسهولة من التحكم في الواردات والصادرات باستخدام رافعة مالية واحدة فقط. عندما انتهت الحرب واستعاد الفرنسيون حريتهم قرروا استخدام نفس النموذج تمامًا لمستعمراتهم. لذلك، قالت فريدة، إن أساس الفرنك الإفريقي هو حقًا أساس نازي.

إنه نظام عبقري شرير، تمكن به الفرنسيون مع مرور الوقت من طباعة النقود لشراء سلع حيوية من مستعمراتهم السابقة، لكن يتعين على تلك البلدان الإفريقية العمل لكسب الاحتياطيات المالية.

قالت فريدة: “هذا ليس عدلاً، إنه ليس استقلالاً”. “إنه استغلال تام.”

تدّعي فرنسا أن النظام جيّد لأنه يوفّر استقرارًا وتضخّمًا قليلًا وقابلية للتحويل للشعب التوغولي. لكن قابلية التحويل هذه لا تسهّل إلا هروب رأس المال، لأنها تسهّل على الشركات الخروج من المجتمع الفرنسي وحفظ أرباحهم باليورو، وفي الوقت نفسه توقع توغو في نظام قائم على أجر الصك. فحالما يحوّل الفرنك الإفريقي –ولا بد أن يحول، إذ لا يمكن استعماله خارج المنطقة الاقتصادية للمواطن- يأخذ الفرنسيون والأوروبيون حصتهم.

قالت فريدة إن التضخم في توغو منخفض فعلًا عنه في الدول المستقلة لكن الكثير من أرباحها تستعمل لمحاربة التضخم بدلاً من دعم البنية التحتية ونمو الصناعة في الداخل. وأشارت إلى نمو غانا التي تتمتع بسياسة نقدية مستقلة وتضخم كان أعلى بمرور الوقت من دول المجتمع الفرنسي مقارنة بتوغو. دولة غانا متفوقة بأي مقياس من حيث الرعاية الصحية، نمو الطبقة الوسطى والبطالة. في الواقع عندما تكبر الصورة قالت فريدة إنه لا توجد دولة واحدة من دول المجتمع الفرنسي من بين أغنى 10 دول في إفريقيا. أما أفقر 10 دول فنصفها من هذا المجتمع.

تقول فريدة إن الاستعمار الفرنسي يتجاوز المال إلى التعليم والثقافة. وقالت على سبيل المثال، يقدم البنك الدولي 130 مليون دولار سنويًا لدعم البلدان الناطقة باللغة الفرنسية لدفع ثمن كتب المدارس العامة. تقول فريدة إن 90٪ من هذه الكتب مطبوعة في فرنسا. تذهب الأموال مباشرة من البنك الدولي إلى باريس وليس إلى توغو أو إلى أي دولة إفريقية أخرى. قالت فريدة إن الكتب هي أدوات لغسيل المخ. إنهم يركزون على مجد الثقافة الفرنسية، ويقوضون إنجازات الدول الأخرى، سواء كانت أمريكية أو آسيوية أو إفريقية.

في المدرسة الثانوية، سألت فريدة والدها: “هل يستخدم الناس أي لغة أخرى غير الفرنسية في أوروبا؟” فضحك والدها. لقد تعلموا فقط التاريخ الفرنسي والمخترعين الفرنسيين والفلاسفة الفرنسيين. نشأت وهي تفكر أن الأذكياء الوحيدين هم فرنسيون. لم تقرأ قط كتابًا أمريكيًا أو بريطانيًا قبل سفرها إلى الخارج لأول مرة.

بشكل عام، قالت فريدة إن إفريقيا الفرنسية تستهلك 80٪ من الكتب التي تطبعها فرنسا. يريد الرئيس ماكرون التوسع في هذه الهيمنة ، ووعد بإنفاق مئات الملايين من اليورو لتعزيز الفرنسية في إفريقيا ، معلناً أنها يمكن أن تكون “اللغة الأولى” للقارة ووصفها “بلغة الحرية”. بالاتجاهات الحالية، عند حلول عام 2050، يمكن أن يعيش 85 ٪ من جميع المتحدثين باللغة الفرنسية في إفريقيا. اللغة هي أحد دعائم بقاء الفرنك الإفريقي.

السياسة شيء آخر. جزء مهم من نظام مجتمع إفريقيا الفرنسي هو الدعم الفرنسي للديكتاتورية. باستثناء السنغال، لم تشهد أي دولة من دول الاتحاد المالي الإفريقي على الإطلاق عملية ديمقراطية حقيقية. قالت فريدة إن كل طاغية ناجح في إفريقيا الفرنكوفونية يتمتع بدعم كامل من الدولة الفرنسية. كلما حدث انقلاب على الديمقراطية، فإن الفرنسيين يدعمون الانقلابيين ما داموا يؤيدون مجتمع إفريقيا الفرنسي. لكن في اللحظة التي يكون فيها لأي شخص ميول معادية للفرنسيين، ترى عقوبات أو تهديدات أو حتى اغتيالات.

تشير فريدة إلى مثال تشاد ومالي اليوم. كلا البلدين تحت تهديد الإرهاب والتمرد. في تشاد، دعمت فرنسا الدكتاتور العسكري الراحل إدريس ديبي لمدة ثلاثة عقود حتى وفاته في أبريل. وفقًا للدستور التشادي، يكون رئيس البرلمان التالي في الترتيب ليكون رئيس الدولة، ولكن نصب الجيش ابن ديبي، وهو جنرال في الجيش. أشادت الحكومة الفرنسية بهذا الانتقال غير القانوني، حتى أن الرئيس ماكرون زار تشاد قبل شهرين للاحتفال بهذا الانتقال الوهمي. وفي خطاب تكريم، وصف ديبي بـ”الصديق” و “الجندي الشجاع” وقال: “لن تسمح فرنسا لأي شخص أن يشكك أو يهدد استقرار تشاد وسلامته اليوم أو غدًا”. الابن، بالطبع، سيروج للفرنك الإفريقي.

من ناحية أخرى، قالت فريدة إن مالي تعرضت لانقلاب بعد شهر من الانقلاب في تشاد. المجلس العسكري والسكان ليسوا ودودين مع باريس ويبدو أنهم يسعون لروسيا كشريك جديد لإعاقة الإرهاب.  وصفت الحكومة الفرنسية الانقلاب بأنه “غير مقبول”، وهددت بسحب القوات من مالي “لتركهم وحدهم مع الإرهابيين” حسب رواية فريدة. تعاقب فرنسا مالي لارتكابها نفس الشيء الذي فعلته تشاد. هناك استبداد وفساد من الجانبين. الاختلاف الوحيد هو أن مالي أرادت الابتعاد عن السيطرة النقدية الفرنسية، بينما لا تزال تشاد تتعاون.

قالت فريدة: “عندما تكون دكتاتورًا، إذا كنت تعمل لصالح فرنسا، فإنهم يواصلون البحث عن الأعذار لمساعدتك للبقاء في السلطة”. لقد فعلوا نفس الشيء في بلدها توغو في عام 2005، مما أدى إلى تولي ولي العهد للسلطة من بعد أبيه الدكتاتور، ومن ثم إلى صحوتها السياسية.

فودي ديوب في مهمة لجلب البيتكوين إلى السنغال

لم ‏يستطع فودي ديوب أن ‏ينظر إلى وطنه السنغال من الخارج إلى أن جاءت فرصة سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

في البداية كان انخفاض قيمة العملة مقابل الفرنك في العام ١٩٩٤ مهددًا لمستقبله الأكاديمي. أتيحت له الفرصة أن يدرس ويلعب كرة السلة في جامعة كنساس، ولكن مدخرات أسرته كانت مدمرّة بالكامل. لحسن حظه كان أمام أسرته خيار آخر، فقد كان لوالده حقوق طبع في مواد تعليمية كان قد أعدّها من قبل، كان بإمكان والده أن يستدين بعض المال مقابلها لسد حاجة ابنه المال وليمكنه من الدراسة.

في يوم ما بعد عدة سنوات مضت وبعد تخرجه من الجامعة وبينما كان فودي يعيش في أمريكا وكان وقتها يهم بإعداد فيديو جديد مع أخيه وجد ڤيديو على اليوتيوب للدكتور شيخ أنتا ديوب العالم والمؤرخ السنغالي وكان يتحدث فيه عن المال واللغة وكيف أن الإثنين قد يكونان أدوات للتحكم بعقول البشر وطريقة حياتهم.

كان فودي قد سمع باسم ديوب من قبل – أكبر جامعة في السنغال مسماة باسمه – ولكنه لم يستمع إلى حديثه ونقده لنظام فرنك المجموعة الإفريقية الفرنسية لقد أثر فيه هذا الطرح بشدة لدرجة أنه وصفها بأنها كانت لحظة كاللحظة في فلم “The matrix” الذي كان أحد أفلامه المفضلة عندما أختار (نيو) أن يأخذ الحبة الحمراء من (مورفيوس) ويخرج من كبسولته إلى العالم الحقيقي. أخيراً أصبح قادرًا على رؤية الأشياء تمامًا على حقيقتها.

” لقد كانت هذه هي المرة الأولى التي بدأت أفكر فيها بنفسي” يقول فودي، “المرة الأولى التي لاحظت فيها أن عملة بلدي نفسها هي آلية للتسلط؟

 يعتقد فودا أن الأمر أكبر من مجرّد تحكم في العملة. فالفرنسيون لديهم كل البيانات، لأنهم هم الذين يطبعون ويتحكمون بالمال من خلال حساباتهم التشغيلية.

” لقد كانوا يعرفون تماماً ما الذي يحدث في كل البلدان. يعرفون تماماً من الفاسد. يعلمون تماماً من الذي كان يشتري العقارات في فرنسا. يعلمون ما المتوفر بالداخل بل لديهم الحق في قبول أو رفض أولويات الاستيراد التفضيلي. لقد كانت لديهم هيمنة كاملة” يقول فودي

سيتذكر في وقت لاحق خفض قيمة العملة في عام ١٩٩٤. وقتها كان عمره ١٨ عاماً فقط ولم يكن يستوعب تماماً ما حدث سوى أن وضع أسرته المادي أصبح أسوأ من قبل.

“كأنهم وضعوا كيسًا حول رأسك لكيلا ترى الحقيقة”

لكن بالعودة إلى الوراء نجد أن جزءًا كبيرًا من النقاش العام كان هذا الأمر. لقد فهم الناس ما يدور عندما حاولوا أن يحولوا عملتهم إلى الفرنك الفرنسي ووجدوا أنهم يحصلون فقط على نصف قيمة المبلغ رغم أنهم كانوا يؤدون نفس كمية العمل، التفسير من الجانب الفرنسي يقول فودي، هو جعل الصادر أرخص من قبل لكي يشجعوا الدول الإفريقية على الإنتاج. ولكن فودي يرى ذلك بشكل مختلف وكأن الجلاد الفرنسي يلهب ظهر الشعب ليشتري بضاعته بسعر أرخص.

ما زال أمام فودي “حبّتان حمراوان” الأولى منهما حدثت في عام ٢٠٠٧، عندما كان يعمل في لاس ڤيغاس في مجال التكنولوجيا. كان قد شاهد ڤيديو لستيڤ جوب الذي كان لتوّه قد أعلن عن آيفون للعالم. كان ذلك أمراً مذهلاً بالنسبة لفودي. ذلك الهاتف المحمول كان يشتغل بمجرد اللمس وجعل الكمبيوتر نفسه موجودًا في جيبك. لقد أدرك لحظتها أن ذلك سيغير العالم. أما ما فكر فيه لاحقًا هو: هل يمكن إدماج نظام الدفع في تطبيقات الآيفون ليمكن ذلك الأشخاص الذين ليس لديهم حسابات بنكية أو بطاقات ائتمانية من استخدامه كطريقة لتحويل الأموال؟

أما الحبة الحمراء الأخيرة فكانت عندما كان فودا يتعلم عن البيتكوين في عام ٢٠١٠. كان وقتها يعيش في لوس انجلوس عندما قرأ الورقة البيضاء التي كتبها ساتوشي ناكاموتو بعنون (بيتكوين نظام نقدي إلكتروني من نظير إلى نظير) حينها فكر فودي للمرة الأولى أن بيده سلاحًا ليدافع عن نفسه ضد القمع المالي والكولونيالية. مال يتحكم فيه الشعب وليس الحكومة. (هذا تماماً ما أحتاج إليه) فكر فودا بينه وبين نفسه.

قبل عدة سنوات قرأ فودي كتاباً بعنوان (خارج عن السيطرة) للكاتب كيڤن كيلي. في أحد أجزائه يتحدث الكتاب عن العملات الإلكترونية. لقد استوعب فودي أن جميع أشكال المال ستتحول إلى العالم الرقمي كجزء من تغير عالمي باتجاه الثورة الرقمية. لكنه لم يكن يدرك بعد كيف ستعيد هذه العملات تشكيل العالم إلا بعد أن عرف البيتكوين.

(ما هو المال؟ ومن أين يأتي؟ البيتكوين جعلني أطرح على نفسي هذه الأسئلة وأبحث لها عن إجابة. ولكن حتى ظهور البيتكوين لم أسائل مثل هذه الأسئلة قطّ)

“ربما يوما -فكر فودي – يوما ما لن يكون بإمكان فرنسا أن تتحكم في مال الشعب السنغالي أو تطبعه”

في السنين اللاحقة كان فودي وزميله في السكن في مدينة لاس فيغاس مستيقظين حتى وقت متأخر يفكران في هذه الفرضية وكيف أن البيتكوين سيجعل عمليات الدفع والتوفير بل العديد من الأنشطة الاقتصادية ممكنة. كان قد تعلم وقتها عن نظام الفيزا كارد وكيف أنه يظهر بياناتك الشخصية في كل مرة تستخدمه وكيف يمكن لطرف ثالث الاستفادة من هذه المعلومات.

يعتقد فودي أن الزواج بين البيتكوين والهواتف الذكية سيكون أمراً مذهلاً وسيكون أداة فعالة لتمكين الفرد. في كل مرة كان يعود فيها فودي إلى السنغال كان يحمل معه عدة هواتف ذكية محمولة ويعطيها لأصدقائه كهدايا لأنه كان يرى أهمية اتصالهم بالعالم الخارجي.

في السنوات التالية كان فودي قد عمل في عدة شركات تنشط في مجال رقمنة جوانب الحياة المختلفة. في العالم ٢٠١٧ ترك لاس فيغاس خلفه وتوجه نحو سان فرانسيسكو وانضم إلى معسكر لبرمجة الكمبيوتر كمهندس كمبيوتر. في البداية كان مهتماً بكل العملات الرقمية ككل لكنه فيما بعد تخلى عن شغفه بإيثيريوم مباشرة بعد عودته من سمنار في سان فرانسيسكو مع مؤسس شركة River أليكس ليشمان Alex Leishman. كان وقتها قد قابل العديد من مبرمجي شبكة البيتكوين والمستخدمين المبكرين لشبكة البرق.

‏ ‏في عام ٢٠١٩ فاز فودي بهاكاثون النقل عندما صنع إيصالاً على شبكة البرق قادراً على فتح سيارة تسلا. كان ذلك دافعاً كبيرا له وعزز ثقته بنفسه وإيمانه بأنه يستطيع تغيير العالم للأفضل. بعدها اتخذ قراره بالعودة إلى السنغال لنشر المعلومات وتعريف الناس بالبيتكوين. في طريق عودته تم منحه منحة ‏لحضور مؤتمر lightening في برلين، الذي أقامته المديرة التنفيذية لمؤسسة Lightning Labs إليزابيث ستارك. هنالك قابل فودي ريتشارد مايرز من GoTenna والمبرمج Will Clark الذي كان ينشط في مجال محاربة الرقابة التعسفية على الانترنت من خلال تقنية الشبكات المتداخلة (mesh networks). كان تفكير فودي أن شبكة الاتصالات في السنغال تتحكم بها شركة أورانج الفرنسية وفكر أنه ربما ما يكون للبيتكوين وشبكة lightening دور في كسر هذه الهيمنة في حال قررت هذه الشركة قطع الانترنت. 

تتحكم فرنسا بمنافذ اتصال السنغال بالإنترنت وتستطيع إغلاقها في حالة انتفاض الشعب ضد قائد البلاد الذي ستقف فرنسا إلى جانبه ما دام ملتزما بنظام المجتمع الفرنسي. ولكن ما زال هنالك ضوء في آخر النفق المظلم كما يقول فودي من خلال جهات أخرى بإمكانها توفير الإنترنت. بإمكانهم على سبيل المثال استخدام شبكات دول أخرى وحتى الاتصال عبر الأقمار الصناعية. قام فودي بصنع صندوق بإمكانه التقاط مختلف هذه الإشارات وكان بإمكانه إدخال الهواتف المحمولة بداخله مما يجعل مستخدميها متصلين بالإنترنت. ليشجع الآخرين للعمل بالمثل كان بإمكانه أن يدفع لهم من خلال البيتكوين. لتوجيه البيانات وصيانة الصندوق كان يدفع لهم من خلال شبكة lightening وهذا ما ينشط فيه فودي حتى يومنا هذا!

“إنه أمر في غاية الخطورة” يكمل فودي

“بإمكانهم إلقاؤك في السجن أو تغريمك لكن بوجود الحافز المالي يتقبل الناس مثل هذه المخاطر “

في المرة المقبلة عندما تقطع شركة أورانج الاتصال بالإنترنت لكي تحمي الحكومة سيكون لدى الناس وسيلة جديدة للتواصل وسيكون من المستحيل على النظام السياسي إيقافهم. 

“شبكة البرق هي كل شيء “يؤكد فودي

“نحتاج وسيلة دفع فورية، لا يمكننا استخدام الشبكة الأم بسبب الرسوم لأنها مكلفة! نحتاج أن نستخدم شبكة البرق، ليس هنالك خيار آخر، وهي فعالة”.

هذا أمر يتخذ أهمية خاصة في مجال الحوالات، وهي بحسب البنك الدولي مصدر أساسي من مصادر الناتج المحلي الإجمالي لدول منطقة مجتمع إفريقيا الفرنسي.  على سبيل المثال هنالك ١٤,٥٪؜ من الناتج المحلي الإجمالي للكاميرونيين تأتي من الحوالات. في السنغال هذا الرقم حوالي ١٠،٧٪؜ وفي غينيا بيساو حوالي ٩،٨٪؜ وفي توغو ٨،٤٪؜ وفي مالي ٦٪؜ وبافتراض أن معدل التحويلات إلى دول إفريقيا جنوب الصحراء حوالي ٢٠٠ دولار فالرقم سيكون حوالي ٨٪؜ أما إذا افترضنا أنه ٥٠٠ دولار فالنسبة ترتفع إلى ٩٪؜ وبافتراض أننا استخدمنا خدمة حوالات مبنية على شبكة البيتكوين (مثل خدمة strike) فذلك سيقلل من رسوم التحويل إلى أقل من ١٪؜ في أي نقطة بين ١٪؜ و٠،٥٪؜ يمكن إنقاذ معدل الانتاج المحلي لدول المجتمع الفرنسي من خلال تبني معيار البيتكوين. إذا نظرنا عن بعد نجد أن هنالك حوالي ٧٠٠ بليون دولار ترسل كتحويلات عالمياً. بين ٣٠-٤٠ بليون دولار يمكن انقاذها وهو نفس الرقم الذي تنفقه الولايات المتحدة الأمريكية على ملف المعونات الخارجية.

فودي يتفهم تماماً لماذا ينظر الغرب إلى البيتكوين بتشكك. ” عندما يكون بإمكانك استخدام تطبيقات مثل Venmo وCash app ربما ليس بإمكانك أن ترى أهمية البيتكوين فأنت لديك كل وسائل الرفاهية التي يتيحها النظام المالي الحديث الذي تستعمله ولكن عندما تذهب إلى السنغال حيث أكثر من ٧٠٪؜ من السكان لم يدخلوا أي بنك في حياتهم وأمك لم تسمع من قبل بالبطاقة الائتمانية فكيف لهم أن يشاركوا في نظام مالي عالمي؟ “

يؤكد فودي أن الزواج بين الهواتف الذكية والبيتكوين سيحرر الناس ويغير المجتمع للأفضل. ثم يشير إلى  كتاب  “The Mobile Wave,”الذي قام بتأليفه مايكل سايلور المدير التنفيذي لشركة مايكروستراتيجي عن ثورة الهواتف المحمولة بأنه أمر مشابه و ملحوظ  جداً! عندما استخدم فودي جهاز الآيفون لأول مرة عرف مباشرةً أن هذا بانتظاره! وكأن الكون كله كان يمهد لهذه اللحظة. في خلال سنوات قليلة كان فودي شاهداً على وصول الآيفون، الأزمة الاقتصادية العالمية وبعدها تدشين ساتوشي لشبكة البيتكوين ثم حصوله هو نفسه على الجنسية الأمريكية.

وبما أن فودي أمضى نصف عمره في إفريقيا والنصف الثاني في الولايات المتحدة الأميركية يعتقد أن بإمكانه أن يرى الطريق نحو المستقبل.

“عندما أعود إلى الوطن أرى كيف أن الناس ما زالوا مقيدين، ولكننا سنقفز إلى البيتكوين دون المرور بالبنوك، كما قفزنا من قبل إلى الهواتف المحمولة دون المرور بالهواتف الأرضية”

وهنالك أيضاً تأثير آخر استطاع فودي مشاهدته هو أن الناس في السنغال عندما يكتشفون البيتكوين فإنهم سرعان ما يبدؤون الادخار فيه.

” اليوم في وطني أجد نفسي أفكر في طريقة لأساعد الناس على الادخار ” يقول ” ليس بإمكان أحد ادخار أي شيءٍ هنا ” هم فقط ينفقون كل ما يحصلون عليه من الفرنكات الإفريقية.

يقول فودي أنه ” ممتن للأبد ” للبيتكوين الذي منحه إياه ليشمان لأنه وجد نفسه يتبرع بها بكميات صغيرة للسنغاليين. أولئك الذين حضروا في الاجتماعات وشاركوا بأسئلة جيدة. كان بإمكانهم أن يروا كيف زادت قيمة البيتكوين مع مرور الزمن.

تابع فودي التطورات الأخيرة في السلفادور بغاية السعادة. عندما وقف ليتحدث بمؤتمر ميامي في بداية هذا الشهر وبينما كان يستمع إلى جاك مولر يعلن أن السلفادور قامت باعتماد البيتكوين كعملة قانونية اغرورقت عيناه بدموع الفرح. لم يكن يتصور أن يحدث كل هذا بهذه السرعة.

“ما بدأ كمخزن للقيمة يتطور الآن إلى وسيلة للتبادل” يقول فودي إن السلفادور لديها كثير من التشابهات مع دول المجتمع الفرنسي، فهي دولة فقيرة ومرتبطة بنقد أجنبي ومعتمدة على الواردات وتعاني من ضعف الصادرات. سياستها المالية يتم التحكم بها من خارج البلاد. ٧٠ ٪؜ من سكانها ليست لديهم حسابات بنكية و٢٢٪؜ من الناتج الإجمالي المحلي يأتي من الحوالات المالية.

” إذا كان خيارًا جيّدًا لهم، فقد ينفعنا نحن أيضًا”

لكن ما زال هنالك عوائق كبيرة. أولها هو أن اللغة السائدة هي الفرنسية وليس هنالك الكثير من المحتوى باللغة الفرنسية في GitHub أو في المواد التعليمية التي تشرح شبكة البرق أو شبكة البيتكوين الأساسية. لذلك يعمل فودي الآن على ترجمة المحتوى إلى اللغة الفرنسية بحيث يجد المبرمجين مواد جاهزة عندما يريدون المشاركة”.

هل ‏يمكن أن تتكرر تجربة شاطئ البيتكوين التي حدثت في السلفادور مرة أخرى في السنغال؟ “نعم،” يقول فودي، “ولذلك السبب قررت العودة إلى الوطن ولنفس السبب ننظم اجتماعات دورية لشرح شبكة البرق ونستقطب من خلالها التبرعات بينما في نفس الوقت نبني نموذجا لإذاعة (أوروبا الحرة) مبنياً على شبكة البيتكوين.”

“بإمكانهم أن يضعوني بالسجن ولكن من خلال اللقاءات سنستمر لقد فعلت هذا الأمر بطريقة تجعله لا يعتمد على وجودي”

يعتقد فودي أن تبني البيتكوين في السنغال سيكون أمرًا صعبًا بسبب التأثير الفرنسي

يواصل ” هم لن يغادروا بدون معركة”

وكما يقول دونقو سامبا سيلا ” تواجه فرنسا اليوم تدهورًا اقتصاديًّا نسبيًّا في منطقة لطالما اعتبرتها من ممتلكاتها الخاصة، حتى مع صعود قوى أخرى مثل الصين فرنسا ليس لديها خطة للتخلي عن هيمنتها الكاملة، ستقاتل حتى النهاية”

ولكن ربما تكون الثورة سلمية تدريجية طويلة المدى للتخلص من الاستعمار، لا ثورة عنيفة.

“لا نريد إلغاءً مباشرًا للنظام القائم بل بناء نظام موازٍ ينضم الناس إليه طواعية بصورة تدريجية ” يواصل فودي ” لا إكراه فيه”.

أما الذين يعتقدون أن علينا أن نطالب الحكومة بحماية ممتلكاتنا الشخصية؟

“هم لا يعلمون أن ديمقراطيات مثل فرنسا لديها مثل هذا الجانب المظلم ” يقول فودي ” هم لن يعطوننا حريتنا ولكن علينا أن نتبع خطوات (السايبربنك)* وننتزع حريتنا بأنفسنا باستخدام البرمجيات المفتوحة المصدر مثل البيتكوين.

عندما سُئل عن فرصة البيتكوين في استبدال البنوك المركزية يقول فودي أن الفكرة قد تبدو ” مجنونة قليلاً” بالنسبة للأمريكيين ولكن بالنسبة للسنغاليين والتوغوليين البنوك المركزية مجرد طفيليات على المجتمع وعلينا مكافحتها.

يعتبر فودي البيتكوين مغيّرًا شاملًا للحياة.

” لأول مرة يكون بالإمكان أن يوجد مال يمكن تعدينه بشكل لا مركزي تمامًا وهذا ما نمتلكه الآن. إنه الحل المتاح لمن هم في أشد الحاجة. لأول مره لدينا أداة قوية لندافع عن أنفسنا ضد هذا القمع ” يواصل، ” قد لا يكون الحل المثالي ولكن علينا أن نستخدمه الآن لندافع عن الناس ولا ننتظر أحدًا ليقوم بهذا نيابة عنا”

فصل المال عن الدولة

في عام ١٩٨٠ ‏كتب الاقتصاد الكاميروني جوزيف تشوندانغ Joseph Tchundjang ‏ما معناه أن العجز   المالي هو الأساس التي تقوم عليه جميع صور العجز. ‏الكلمات الأخيرة في هذا الكتاب ما زال صداها يتردد حتى اليوم: “مصير إفريقيا إمّا أن يصوغه المال وإمّا ألّا يصاغ أصلًا.

‏قضية المال والعملة بشكل عام مدفونة تحت السطح عندما يتعلق الأمر بحركة حقوق الإنسان حول العالم ‏وقلما يتم نقاشها في المؤتمرات وفي أوساط الناشطين.

‏ولكن اسأل أي مناضل ديمقراطي في نظام قمعي، ‏وسوف يخبرك بأشياء مدهشة ومأساوية في هذا الموضوع. ‏تدهور العملة في إريتريا وشمال كوريا، ‏التضخم في زيمبابوي وفنزويلا، تجسس الدولة في الصين وهونغ كونغ‏، تجنيد عمليات الدفع في بيلاروس ونيجيريا والحظر الاقتصادي على إيران وفلسطين. ‏والآن‏: ‏استعمار اقتصادي في توجو والسنغال. بدون الحرية المالية تفشل الحركات والمنظمات التطوعية ‏في أن تحافظ على وجودها. ‏إذا تم تجميد حساباتها، أو خفض قيمة مدخراتها، تصبح قوتها محدودة ويستمر الطغيان.  ‏القهر المالي ما يزال خفيا، ونادرا ما يتحدث عنه في الأوساط السياسية. والحقيقة أن اليوم ١٨٢ مليون إنسان في الدول الناطقة بالفرنسية ‏وبرغم أن بلدانهم نالت استقلالها اسمياً لكن ما زالت اقتصاداتها وأموالها تحت حكم استعماري وما زالت القوى الأجنبية تسيء معاملتهم وتطيل أمد هذه العلاقة الاستعمارية لاستخلاص أكبر قدر ممكن من القيمة التي تنتجها هذه المجتمعات ومن خصائصها الجغرافية.

في السنوات الأخيرة ‏زاد عدد السكان في المنطقة الفرنكوفونية ازديادًا كبيرًا. وتعالت هتافات (اخرجي فرنسا) لتصبح شعارًا ثورياً. ‏ولكن أكبر نقاد النظام، ومنهم بيغود وسيلا، لا يقدمون حلولاً تذكر. ‏هم يرفضون الحالة الراهنة والقيود التي يفرضها صندوق ‏النقد الدولي، ليقترحوا حلولًا إقليمية يديرها قادة محليون، أو نظامًا تصنع فيه كل دولة من المجتمع الفرنسي عملتها.

ولكن مجرد نجاح دول مثل توغو والسنغال في انتزاع استقلالها المالي من فرنسا، لا يعني بالضرورة أن هذه الدول سوف تنجح في مساعيها، أو أن قادتها لن يستغلوا سلطاتهم للتلاعب بالعملة.

ما زالت هذه البلدان تواجه خطر سوء الإدارة المحلية، أو الاحتلال المالي الجديد من جهة قوى أجنبية مثل روسيا أو الصين. يبدو جليا أن الشعوب في حاجة إلى نوع من المال يستطيع كسر هذ العجلة، مالٌ يستطيعون التحكم به ولا تستطيع الحكومات التلاعب به مهما كان نوعها. ‏وتماما كما حدث تاريخيا الفصل بين الكنيسة والدولة الذي قاده بدوره إلى مستقبل أكثر ازدهارا وحرية للمجتمعات الإنسانية، الفصل بين المال والسلطة‏ قادم في الطريق.

‏ترى هل يستطيع سكان هذه الدول الناطقة بالفرنسية عبر فترة من الزمن ‏ومع زيادة أعداد المستخدمين للإنترنت فيها استخدام البيتكوين إلى درجة تجعل الحكومة مضطرة للتعامل معها كما حدث في دول في أمريكا اللاتينية مثل الإكوادور؟

‏ما زال التاريخ بانتظار أن يكتب، لكن أمرً واحدًا لا شك فيه: سيقاوم النقد الدولي هذا الاتجاه ‏تماما كما فعل مع السلفادور مؤخرا!

قبل أسابيع قليلة كتب الممثل Hill Harper عن نشاطه في مجال البيتكوين في المجتمع الإفريقي الأمريكي قائلا وببساطة ” لا يمكنهم أن يستعمروا البيتكوين”. توافقه فريدة نامبورينا قائلة “هذه المرة الأولى التي يكون فيها مال لامركزي حقًّا ومتاح لكل إنسان في الوجود مهما كان لونه واعتقاده وجنسيته وثروته وتاريخه الاستعماري”. 

تقول فريدة إنها عملة لجميع الناس، وتضيف: “ربما ينبغي أن نسمي البيتكوين عملة إلغاء الاستعمار”.

Alex Gladstein

ناشط حقوق الإنسان في مؤسسة حقوق الإنسان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى