مجتمع وثقافة

لماذا لدى المسلمين قابلية لفهم البيتكوين أكثر من غيرهم؟

في البيتكوين خصائص مشتركة مع الإسلام .. من بينها: اللامركزية، قواعد الإجماع، إتاحة التحقّق، تدقيق الجموع، التوزّع الجغرافي، تعطيل الكهنوت، محاربة الربا والغَرر.. وغيرها الكثير.

لقد كنت أفكر دائماً ما الذي يمكن أن يعطينا أفضلية كمسلمين بأن نفهم البيتكوين بطريقة أعمق وأفضل من غيرنا، وعندها أدركت أن ما يمكن أن يعطينا هذه الأفضلية هو ديننا الإسلامي الحنيف. فلو أخذت نظرة شاملة عن البيتكوين لوجدت أن هناك تشابهاً كبيراً بين بعض آليات عمل البيتكوين وآليات عمل ديننا الإسلامي، ولا أقول هنا بأن البيتكوين هو دين لكي لا يُفهم كلامي بطريقة غير صحيحة، ولكن أقول هنا بأن الفرد المسلم لديه أفضلية في فهم البيتكوين أكثر من غيره وهذا بسبب الآلية التي يعمل بها البيتكوين التي تتشابه كثيراً مع الآلية التي عمل بها ديننا الحنيف والتي لا يزال يعمل بها حتى يومنا هذا.

الإسلام واللامركزية وقواعد الإجماع

لو رجعنا إلى التاريخ وتساءلنا عن الآلية التي حفظ بها كتاب الله عبر العصور حتى وصلنا اليوم، لوجدنا أنه حفظ بطريقة موزعة وبشكل لا مركزي بحيث يصعب تحريفه أو التلاعب به. فبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، كلف أبي بكر رضي الله عنه الصحابي زيد بن ثابت رضي الله عنه بجمع المصحف الشريف، فجمع القرآن من المواد المكتوبة والنسخ التي عند الناس وأيضا جمعه من الحفظة الذين حفظوا هذه الآيات عن ظهر قلب.

فكان هناك دائما إجماع على هذه الآيات بين الحفظة وبين من كتبوا هذه الآيات وبين من يعلمونه إلى الناس، فمن هنا وصلتنا النسخة الوحيدة من القرآن الكريم وضمنا أنه كان لا يوجد مجال للتلاعب أو الغش بها لأن مصالح هؤلاء الأفراد الذين جمعنا منهم القرآن هي مختلفة.

وحتى لو افترضنا أن هناك تواطؤا بين عدد كبير من الحفظة لمحاولة إضافة أو حذف أي شيء من القرآن (حاشى صحابة رسول الله الذين فدو هذا الدين بارواحهم من ذلك)، ولكن دائما ما سيكون هناك أفراد لديهم النسخة النزيهة من هذا القرآن والتي يحفظونها عن ظهر قلب ويعلمونها للناس، وهكذا ستنكشف أي عملية تحريف بسهولة. وهنا سنتوقف لحظة وندرك مدى التشابه بين آلالية التي يتبعها البيتكوين لحفظ معاملاته على سلسلة الزمن والطريقة التي حفظ بها المصحف الشريف.

ففي البيتكوين يوجد هناك سجل يحتوي على جميع الأرصدة والتحويلات موزعة بين الأفراد في حواسيب صغيرة تسمى (العقد), هؤلاء الأفراد لديهم مصالح وقيم ومبادئ مختلفة، كل هؤلاء الأفراد لديهم النسخة النزيهة وما يوحدهم هي القواعد الأساسية التي يتفقون عليها، وهكذا أصبح لديهم سجل موثوق ونزيه. وحتى لو افترضنا أن هناك أفرادا بمصالح مشتركة تواطؤوا لتغيير رصيدهم من البيتكوين وذلك من خلال إقناع عدد كبير من الأفراد على الغش والتلاعب بسجل التحويلات، سيتم كشف هؤلاء المتواطئين بسهولة من العقد النزيهة الذين لديهم النسخة الصحيحة من السجل والمجمع عليها بينهم. والعجيب أنه لم تسجل شبكة البيتكوين منذ نشأتها قبل 14 سنة عملية واحدة من تلاعب بالأرصدة وغيرها بسبب هذه الآلية القوية.

وكما أنه لا يوجد هناك سلطة أو جهة مركزية للتشريع في الإسلام، فلا يعتمد المسلمون على أخذ دينهم من شيخ أو عالم بعينه ولكن هم مجمعون على أخذه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتباع الدليل فقط. فلا يوجد هناك أي أحد يستطيع أن يفرض عليك أي حكم بتحريم أو تحليل إلا بدليل من القرآن والسنة، فالدليل هو الأمر القاطع في المجتمع الإسلامي لإضافة حكم ديني جديد أو إبطاله.

كذلك في مجتمع البيتكوين، فلا يوجد هناك سلطة لأحد لإجبار المستخدمين على إضافة أي تحديث إلى عقدهم الخاصة التي تشغل سوفتوير البيتكوين لتبني قواعد جديدة أو إلغاء قواعد قديمة إلا بقناعة منهم وبوجود دليل قوي وحجة قوية وبعد دراسة مستفيضة لهذه الأدلة من قبل المجتمع. قد تتمكن من إقناع هؤلاء الأفراد بتبني هذه التحديثات بالإجماع من أجل تحقيق المصلحة العامة، فنجد هنا أن اللامركزية وقواعد الإجماع ليست بجديدة على الفرد المسلم، بل هي جزء من دينه الذي درسه ولازال يطبقها حتى يومنا هذا.


⚡كل أسبوع أرسل لك موجز لأهم مستجدات البيتكوين، تقرأه في 5 دقائق👇


والآن بعد أن فهمنا مدى التشابه بين اهم مبدئين وهم اللامركزية وقواعد الإجماع، نستطيع أن نلخص أهم أوجه التشابه الأخرى:

صعوبة التغيير:

كلما انتشر الإسلام أكثر وازدادت النسخ الموجودة من القرآن الكريم وعدد حافظيه بشتى بقاع الأرض، ازدادت استحالة التغيير أو التحريف دون ملاحظة. في البيتكوين، كلما ازداد عدد مشغلي العقد في الشبكة ازدادت معها صعوبة تغيير السجل والتلاعب به.

قابلية التحقق:

جميع المعاملات على شبكة البيتكوين تكون مرئية للجميع، الكل يستطيع الوصول للشبكة دون إذن من أحد ومراجعة التحويلات والتحقق منها مما يضمن الشفافية الكاملة للسجل والتحقق منه بسهولة. القرآن الكريم يمكنك الوصول له من أي مكان بالعالم سواء من خلال الحفظ أو بنسخه الكتابية التي لديك والتحقق من صحة النص القرآني دون إذن من أحد.

التدقيق المجتمعي:

أي تفسير جديد لآية أو إضافة حكم يخضع لمراجعة العلماء وتدقيقهم والتحقق من صحة الدليل. يتطلب اعتماد أي تفسير أو إضافة وإبطال أحكام دينية إلى وجود إجماع من أهل العلم. في البيتكوين، أي تعديل في البروتوكول يتم التحقق منه من قبل المطورين والمجتمع ويتطلب توافق الأغلبية من مشغلي العقد والمجتمع لاعتماده.

التوزيع الجغرافي:

يتوزع حافظو القرآن الكريم في كل مكان في العالم حيث لا يتواجدون في مكان واحد مما يعزز وجود عدة مصادر وعدم وجود نقطة فشل واحدة. حتى لو تدمر نصف الكوكب، سيكون هناك من يحفظ القرآن وينقله للأجيال الأخرى. شبكة البيتكوين موزعة بشكل كبير جغرافياً مما يضمن عدم انقطاعها حتى لو انقطع الإنترنت عن نصف كوكب الأرض، ستظل شبكة البيتكوين تعمل في النصف الآخر.

القداسة:

بعد نبينا صلى الله عليه وسلم وآل بيته والخلفاء الراشدين، لا يوجد هناك قدسية لأحد بعينه لا شيخ ولا ملك ولا مفتٍ ولا خليفة، يتبع المسلمون في دينهم الدليل بالأحكام وبالطبع هم يحترمون ويجلّون علماءهم وولاة الأمر منهم ولكن لا يعطون أحداً منهم حصانة بأن لا يقال له أخطأت فالجميع سواسية في هذا الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا فرق بين عربي وأعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى).

يطبق البيتكوين في آلية عمله حديث نبينا صلى الله عليه وسلم بين البشر جميعهم، فالعقد المشغلة لسوفتوير البيتكوين لا يوجد أفضلية بينها فجميع هذه العقد متساوية بالتصويت على قواعد الإجماع سواء كان صاحب هذه العقدة يملك بيتكوين أو كان لا يملك بيتكوين حتى، كان أعجمياً أو عربياً أو أسود أو أبيض، الجميع يستطيع تشغيل عقدته الخاصة واتباع القواعد الأساسية من البداية بلا إذن من أحد، ولا يوجد هناك قداسة لأحد في مجتمع البيتكوين حتى لساتوشي نفسه، فنحن نقدر ونشكر جهودهم التي قدموها من أجل البيتكوين ولكن عندما يخالف أي كان قواعد الإجماع المتفق عليها لن يتمتع بحصانة واتباع من أحد فلا يهم بأوساط مجتمع البيتكوين من كنت سواء كنت فرداً/مؤسسة/دولة.

عندما تحاول تغيير هذه القواعد دون الرجوع لأحد ستجد نفسك في شبكة لوحدك بعملة أخرى غير البيتكوين.

الخلاصة:

يشترك البيتكوين والإسلام في العديد من المبادئ الأساسية مثل اللامركزية، قواعد الإجماع، صعوبة التغيير، قابلية التحقق، التدقيق المجتمعي، والتوزيع الجغرافي. هذه المبادئ تجعل من الفرد المسلم أكثر تأهيلاً بوجهة نظري لفهم البيتكوين بطريقة أعمق من غيره، نظراً لتشابهها مع المبادئ التي تربى عليها ويمارسها في دينه الإسلامي.


أعجبك المقال؟

تحويلك يذهب منك مباشرة إلى للكاتب
أحصل على محفظة برق من هنا

44

Co-founder @bitcoin21_ar | boosting #Bitcoin only content in Arabic

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى